28999 / 8842 – (خ م) عبد الله بن عباس – رضي الله عنهما – قال: حدثني أبو سفيان بن حرب من فيه إِلى فيَّ قال: «انطلقت في المدَّة التي كانت بيني وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فبينا أنا بالشام، إذ جِيء بكتاب من النبي إلى هِرَقل، قال: وكان دِحْية الكلبيُّ جاء به، فدفعه إلى عظيم بُصْرى، فدفعه عظيم بُصرى إلى هِرَقْل، فقال هرقل: هل هاهنا أحد من قوم هذا الرجل الذي يزعم أنه نبيٌّ؟ قالوا: نعم، فَدُعيتُ في نَفَر من قريش، فدخلنا على هِرَقل، فأَجلسنا بين يديه، فقال: أيُّكم أقرب نسباً من هذا الرجل الذي يزعم أنه نبيٌّ؟ قال أبو سفيان: فقلت: أنا، فأجلسوني بين يديه، وأجلسوا أصحابي خَلْفي، ثم دعا بتَرجُمانه، فقال: قل لهؤلاء: إني سائلٌ هذا عن هذا الرجل الذي يزعم أنه نبيٌّ، فإن كَذَبَني فَكَذِّبوه، قال أبو سفيان: وايْمُ الله، لولا أن يُؤثَرَ عَلَيَّ الكَذِبُ لكذَبتُه، ثم قال لتُرجمانه، سَلْهُ: كيف حَسَبه فيكم؟ قال: قلت: هو فينا ذو حَسَب، قال: فَهَل كان من آبائه من مَلِك؟ قلت: لا، قال: فهل كنتم تتهمونَهُ بالكذب قبل أن يقول ما قال؟ قلت: لا، قال: فهل يَتْبَعه أشراف الناس أو ضعفاؤهم؟ قال: قلتُ: لا، بل ضعفاؤهم، قال: أيزيدون أم ينقصون؟ قلت: لا، بل يزيدون، قال: هل يَرتَدُّ أحد منهم عن دينه بعد أن يدخل فيه سَخْطةً له؟ قال: قلت: لا، قال: فهل قاتلتموه؟ قلت: نعم، قال: فكيف كان قتالكم إياه؟ قال: قلت: يكون الحربُ بيننا وبينه سِجالاً، يُصيب منَّا ونُصيب منه، قال: فهل يَغْدِر؟ قال: قلت: لا، ونحن منه في هذه المدة، لا ندري ما هو صانع فيها؟ – قال: والله ما أمكنني من كلمة أُدخل فيها شيئاً غير هذه – قال: فهل قال هذا القولَ أحدٌ قبله؟ قلت: لا، ثم قال لترجمانه: قل له: إني سألتك عن حسبه فيكم، فزعمت أنه فيكم ذو حسب، وكذلك الرسل تُبعَثُ في أحساب قومها، وسألتك: هل كان من آبائه مَلك؟ فزعمت أن لا، فقلتُ: لو كان من آبائه مَلِكٌ، قلتُ: رجل يطلب مُلك آبائه، وسألتك عن أتباعه: أضُعَفاؤهم أم أشرافهم؟ فقلتَ: بل ضعفاؤهم، وهم أتباع الرسل، وسألتك: هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال، فزعمت: أن لا، فعرفتُ أنه لم يَكن لِيدَعَ الكذب على الناس، ثم يذهبَ فيكذبَ على الله، وسألتك: هل يرتدُّ أحد منهم عن دينه بعد أن يدخل فيه سَخطةً له؟ فزعمت: أن لا، وكذلك الإيمان إذا خالط بشاشةَ القلوب، وسألتك: هل يزيدون أم ينقصون؟ فزعمت أنهم يزيدون وكذلك الإيمان حتى يتم، وسألتك: هل قاتلتموه؟ فزعمت: أنكم قاتلتموه، فتكون الحرب بينكم وبينه سِجالاً، ينال منكم وتنالون منه، وكذلك الرسُل تُبْتَلَى، ثم تكون لها العاقبة، وسألتك: هل يغدِر؟ فزعمت: أنه لا يغدِر، وكذلك الرسل لا تَغدِرُ، وسألتك: هل قال هذا القول أحدٌ قبله؟ فزعمت: أن لا، فقلت: لو كان قال هذا القول أحد قبله، قلت: رجل ائتمَّ بقول قيل قبله، ثم قال: بما يأمركم؟ قلنا: يأمرنا بالصلاة، والزكاة، والصِّلة، والعفاف، قال: إن يَكُ ما تقول حقاً: فإنه نبي، وقد كنتُ أعلم أنه خارج، ولم أكُ أظنه منكم، ولو أني أعلم أني أخلُصُ إِليه لأحْبَبْتُ لقاءهُ، ولو كنت عنده لغسلتُ عن قدميه، وليبلُغَنَّ ملكُه ما تحت قَدَميَّ، ثم دعا بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقرأه، فإذا فيه: بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد رسول الله، إلى هرقل عظيم الروم، سلام على من اتبع الهدى، أما بعد: فإني أدعوك بدِعاية الإِسلام، أسْلِمْ تَسْلَم، وأسْلِمْ يُؤْتِك الله أجرك مرتين، فإن تولَّيت فإن عليك إثم الإرِيسيِّين و {يا أهلَ الكتابِ تعَالَوْا إِلى كلمةٍ سواء بيننا وبينكم أَن لا نَعبُد إلا الله وَلا نُشْرِك به شيئاً ولا يتخذَ بعضُنا بعضاً أرباباً مِن دون الله فإن تولّوْا فقولوا اشهدوا بأَنَّا مُسلِمون} آل عمران: 64 فلما فرغ من قراءة الكتاب ارتفعت الأصوات عنده، وكَثُرَ اللَّغَط، وأمرَ بنا فأُخْرِجنا، قال: فقلت لأصحابي حين خرجنا: لقد أمِرَ أمرُ ابنِ أبي كَبْشة، إنه ليخافُهُ مَلِكُ بني الأصفر، فما زلتُ مُوقِناً بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه سيظهر، حتى أدخل الله عَلَيَّ الإسلام.
قال الزهري: فدعا هِرَقْلُ عظماء الروم، فجمعهم في دارٍ له، فقال: يا معشر الروم، هل لكم في الفلاح والرشد آخرَ الأبد، وأن يثبت لكم مُلككم؟ قال: فحاصُوا حَيْصَة حُمُر الوحش إلى الأبواب فوجدوها قد أُغْلِقتْ، قال: عَلَيَّ بهم، فدعا بهم، فقال: إني اختبرتُ شِدّتكم على دينكم، فقد رأيت منكم الذي أحببتُ، فسجدوا له ورضوا عنه».
هذا لفظ حديث البخاري من رواية هشام بن يوسف وعبد الرزاق عن مَعْمَر.
وعند مسلم من حديث محمد بن رافع وغيره عن عبد الرزاق عن معمر نحوه من أوله إلى قوله: «حتى أدخل الله عَلَيَّ الإِسلام» . وطرف من حديث صالح عن ابن شهاب بهذا الإسناد، قال فيه: وزاد في الحديث «وكان قَيصَر لمَّا كَشَف الله عنه جنود فارس مَشَى من حِمْصَ إلى إِيلياء، شكراً لما أبلاه الله» .
قال مسلم: وقال في الحديث: «من محمد عبد الله ورسوله» ، وقال: «إثم اليريسيِّين» ، وقال: «بداعية الإسلام» هذا القدر ذكره مسلم من رواية صالح.
قال الحميدي: وتمامها في كتاب البَرْقاني متصلاً بقوله: «شكرا ًلما أبلاه» : «فلما جاء قيصرَ كتابُ رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال حين قرأه: التمسوا هاهنا أحداً من قومه، نسألهم عن رسول الله؟ قال ابن عباس: فأخبرني أبو سفيان بن حرب: أنه كان بالشام، قَدِمُوا تُجَّاراً في المدة التي كانت بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين كفار قريش، قال أبو سفيان: فوجدنا رسول قيصَرَ ببعض الشام، فانطلق بي وبأصحابي حتى قدمنا إِيلياء، فأُدْخِلنا عليه، فإذا هو جالس في مجلس ملكه، عليه التاج، وإذا حوله عظماء الروم، فقال لترجمانه: سَلْهم أيُّهم أقرب نسباً إلى هذا الرجل الذي يزعم أنه نبي؟» . وذكر نحو ما تقدم من حديث معمر. وفي حديثه «فإن عليك إثم الأريسيِّين» يعني الحرّاثين، وفي رواية «إثم الرَّكوسيين» .
وللبخاري في رواية أخرى نحو حديث معمر، وفيه: «قال ماذا يأمركم؟ قلت: يقول: اعبدوا الله وحده، ولا تشركوا به شيئاً، واتركوا ما يقول آباؤكم، ويأمرنا بالصلاة، والصدق، والعفاف والصلة» وقال في الجواب أيضاً: إعادة هذا الحديث، وقال في أخرى: «فما زلتُ ذليلاً مستيقناً بأن أمره سيظهر، حتى أدخل الله على قلبي الإسلام وأنا كاره، قال: وكان ابن الناطور صاحبَ إِيلياء، وهرقل أَسْقَفَهُ على نصارى الشام – يُحَدِّث: أن هرقل حين قَدِمَ إِيلياء، أصْبحَ يوماً خبيث النفس، فقال بعض بطارقته: قد استنكرنا هَيئتك – قال ابن الناطور: وكان هرقل حَزّاء، ينظر في النجوم – فقال لهم حين سألوه: إني رأيت الليلةَ حين نظرت في النجوم مَلِكَ الختان قد ظهر، فمن يختتن من هذه الأمة؟ قالوا: ليس يختتن إلا اليهود، فلا يَهُمَّنَّك شأنهم، واكتب إلى مدائن ملكك فليقتلوا من فيها من اليهود، فبينما هم على أمرهم أُتِيَ هرقلُ برجل أرسل به ملك غَسّان يخبر عن خبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما استخبره هرقل، قال: اذهبوا، فانظروا: أمختتِن هو؟ فنظروا إليه، فحدَّثوه أنه مختتِن، وسأله عن العرب؟ فقال: هم يخْتَتِنُون، فقال هرقل: هذا مَلِكُ هذه الأمة قد ظهر، ثم كتب هرقلُ إِلى صاحب له بِرُومية – وكان نظيره في العلم – وسار هرقل إلى حمص، فلم يَرِمْ حمص حتى أتاه كتابٌ من صاحبه، يوافق رأيَ هرقل على خروج النبي صلى الله عليه وسلم، وأنه نبي، فأذنَ هرقلُ لعظماء الروم في دَسْكَرة له بحمص، ثم أمر بأبوابها فغلقت، ثم قال: يا معشر الروم، هل لكم في الصلاح والرشد، وأن يثبت ملككم، فتبايعوا هذا النبي؟ فحاصوا حَيْصةَ حُمُر الوحش إلى الأبواب، فوجدوها قد غلِّقت … ثم ذكر نحو ما في حديث معمرٍ إلى آخر هذا الفصل – ثم قال: فكان ذلك آخرُ شأنُ هرقل» .
وفي رواية الترمذي عن ابن عباس «أن أبا سفيان أخبره: أن هرقل أرسل إِليه في نَفَر من قريش، وكانوا تجاراً بالشام، فأتوه … فذكر الحديث قال: ثم دعا بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقُرئ، فإذا فيه: بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد عبد الله ورسوله إلى هرقل عظيم الروم، السلام على من اتبع الهدى، أما بعد» هذا القدر أخرجه الترمذي في باب: كيف يكتب إلى أهل الشرك لحاجته إليه، وهو فصل من الحديث بطوله، ولم نثبت للترمذي علامة لقلة ما أخرج منه .