20719 / 9209 – (خ م) أبو موسى الأشعري- رضي الله عنه – قال: «بلغَنا مَخْرَجُ رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن باليمن، فخرجنا مهاجرين إليه، أنا وأخوان لي، أنا أصغرهم، أحدهما أبو بُرْدة، والآخر: أبو رُهْم – إما قال: في بِضْعَةٍ وإما قال: في ثلاثة وخمسين، أو اثنين وخمسين رَجُلاً من قومي – قال: فركبنا سفينة، فألقَتْنَا سفينتُنا إلى النجاشيّ بالحبشة، فوافَقْنَا جعفرَ بن أبي طالب وأصحابه عنده، فقال جعفر: إنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم بَعثَنا هاهنا، وأمرنا بالإقامة فأقيموا معنا ، قال: فأقمنا معه حتى قَدِمْنا جميعاً، قال: فوافَيْنا رسولَ الله صلى الله عليه وسلم حين افتتح خيبر، فأسْهَم لنا – أو قال: فأعطانا منها – وما قسم لأحدٍ غاب عن فتح خيبر منها شيئاً إلا لمنْ شَهِدَ معه، إلا لأصحاب سفينتنا مع جعفر وأصحابه، قسم لهم معهم، قال: فكان ناسٌ من الناس يقولون لنا – يعني لأهل السفينة -: سبقناكم بالهجرة، قال: فدخلتْ أسماءُ بنتُ عُمَيْس – وهي ممن قَدِمَ معنا – على حفصةَ زوجِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم زائرة، وقد كانت هاجرت إلى النجاشيّ فيمن هاجر إليه ، فدخل عمرُ على حفصة، وأسماءُ عندها، فقال عمر حين رأى أسماء: من هذه؟ قالت: أسماءُ بنتُ عُمَيْس، فقال عمر: آلحبشيةُ هذه؟ آلبَحريةُ هذه؟ فقالت أسماء: نعم، فقال عمر: سبقناكم بالهجرة، فنحن أحقُّ برسولِ الله صلى الله عليه وسلم منكم، فغضبتْ، وقالت كلمة: يا عمر، كَلا والله، كنتم مع رسولِ الله صلى الله عليه وسلم يُطعم جائعَكم، ويَعِظُ جاهلكم، وكنا في دار – أو أرض – البُعَداء البُغَضاء في الحبشة، وذلك في الله وفي رسوله، وايْمُ الله لا أطعَمُ طعاماً، ولا أَشْرَب شراباً حتى أذكر ما قلتَ لرسول الله، ونحن كُنَّا نُؤذَى ونخاف، وسأذكر ذلك لرسولِ الله صلى الله عليه وسلم وأسأله، ووالله لا أكذِبُ ولا أَزِيغ، ولا أَزِيد على ذلك، قال: فلما جاء النبيُّ صلى الله عليه وسلم قالت: يا نبيَّ الله، إن عمر قال كذا وكذا، فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: ليس بأحقَّ بي منكم، وله ولأصحابه هجرةٌ واحدة، ولكم أنتم – أهلَ السفينة – هجرتان. قالت: فلقد رأيت أبا موسى وأصحابَ السفينة يأتوني أرسالاً يسألوني عن هذا الحديث، ما مِنَ الدنيا شيء هُمْ به أفرحُ ولا أعظمُ في أنفسهم مما قال لهم رسولُ الله صلى الله عليه وسلم. قال أبو بردة: فقالت لي أسماء: فلقد رأيت أبا موسى وإنَّه ليستعيد هذا الحديث مِنِّي» أخرجه البخاري ومسلم.
20720 / 9840 – عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ، عَنْ أُمِّهِ لَيْلَى، قَالَتْ: كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ مِنْ أَشَدِّ النَّاسِ عَلَيْنَا فِي إِسْلَامِنَا، فَلَمَّا تَهَيَّأْنَا لِلْخُرُوجِ إِلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ، فَأَتَى عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ 23/6 وَأَنَا عَلَى بَعِيرِي وَأَنَا أُرِيدُ أَنْ أَتَوَجَّهَ، فَقَالَ: أَيْنَ يَا أُمَّ عَبْدِ اللَّهِ؟ فَقُلْتُ: آذَيْتُمُونَا فِي دِينِنَا، فَنَذْهَبُ فِي أَرْضِ اللَّهِ لَا نُؤْذَى فِي عِبَادَةِ اللَّهِ، فَقَالَ: صَحِبَكُمُ اللَّهُ. ثُمَّ ذَهَبَ فَجَاءَ زَوْجِي عَامِرُ بْنُ رَبِيعَةَ، فَأَخْبَرْتُهُ بِمَا رَأَيْتُ مِنْ رِقَّةِ عُمَرَ، فَقَالَ: تَرْجِينَ أَنْ يُسْلِمَ؟! فَقُلْتُ: نَعَمْ، فَقَالَ: وَاللَّهِ لَا يُسْلِمُ حَتَّى يُسْلِمَ حِمَارُ الْخَطَّابِ.
قال الهيثميُّ : رواهُ الطبرانيُّ وَقَدْ صَرَّحَ ابْنُ إِسْحَاقَ بِالسَّمَاعِ ; فَهُوَ صَحِيحٌ.
20721 / 9839/4282– عن الشَّعْبِيِّ قَالَ: كَانَتِ الْهِجْرَةُ مِنَ الْحَبَشَةِ لَيَالِي خَيْبَرَ.
عزاه الحافظ ابن حجر في المطالب العالية رقم (4282) لإسحاق.
20722 / 9841 – وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: بَعَثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى النَّجَاشِيِّ، وَنَحْنُ نَحْوٌ مِنْ ثَمَانِينَ رَجُلًا فِيهِمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ، وَجَعْفَرٌ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُرْفُطَةَ، وَعُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونٍ، وَأَبُو مُوسَى، فَأَتَوُا النَّجَاشِيَّ، وَبَعَثَتْ قُرَيْشٌ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ، وَعُمَارَةَ بْنَ الْوَلِيدِ بِهَدِيَّةٍ، فَلَمَّا دَخَلَا عَلَى النَّجَاشِيِّ سَجَدَا لَهُ، ثُمَّ ابْتَدَرَاهُ عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ شِمَالِهِ، ثُمَّ قَالَا: إِنَّ نَفَرًا مِنْ بَنِي عَمِّنَا نَزَلُوا أَرْضَكَ، وَرَغِبُوا عَنَّا وَعَنْ مِلَّتِنَا قَالَ: فَأَيْنَ هُمْ؟ قَالَا: هُمْ فِي أَرْضِكَ فَابْعَثْ إِلَيْهِمْ، فَبَعَثَ إِلَيْهِمْ، قَالَ جَعْفَرٌ: أَنَا خَطِيبُكُمُ الْيَوْمَ فَاتَّبَعُوهُ، فَسَلَّمَ وَلَمْ يَسْجُدْ، فَقَالُوا لَهُ: مَا لَكَ لَا تَسْجُدُ لِلْمَلِكِ؟ قَالَ: إِنَّا لَا نَسْجُدُ إِلَّا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ: وَمَا ذَاكَ؟ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ بَعَثَ إِلَيْنَا رَسُولَهُ صلى الله عليه وسلم وَأَمَرَنَا أَنْ لَا نَسْجُدَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَأَمَرَنَا بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ.
قَالَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ: فَإِنَّهُمْ يُخَالِفُونَكَ فِي عِيسَى قَالَ: مَا يَقُولُونَ فِي عِيسَى بْنِ مَرْيَمَ وَأُمِّهِ؟ قَالَ: يَقُولُونَ كَمَا قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: هُوَ كَلِمَةُ اللَّهِ وَرُوحُهُ أَلْقَاهَا إِلَى الْعَذْرَاءِ الْبَتُولِ، الَّتِي لَمْ يَمَسَّهَا، وَلَمْ يَفْتَرِضْهَا وَلَدٌ. قَالَ: فَرَفَعَ عُودًا مِنَ الْأَرْضِ، وَقَالَ: يَا مَعْشَرَ الْحَبَشَةِ الْقِسِّيسِينَ وَالرُّهْبَانِ، وَاللَّهِ مَا يَزِيدُونَ عَلَى الَّذِي نَقُولُ فِيهِ مَا سِوَى هَذَا، مَرْحَبًا بِكُمْ، وَبِمَنْ جِئْتُمْ مِنْ عِنْدِهِ، أَشْهَدُ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَنَّهُ الَّذِي نَجِدْهُ فِي الْإِنْجِيلِ، وَأَنَّهُ الَّذِي بَشَّرَ بِهِ عِيسَى بْنُ مَرْيَمَ، انْزِلُوا حَيْثُ شِئْتُمْ، فَوَاللَّهِ لَوْ مَا أَنَا فِيهِ مِنَ الْمُلْكِ لَأَتَيْتُهُ حَتَّى أَكُونَ أَنَا أَحْمِلُ نَعْلَيْهِ وَأُوَضِّئُهُ. وَأَمَرَ بِهَدِيَّةِ الْآخَرِينَ فَرُدَّتْ عَلَيْهِمَا. ثُمَّ تَعَجَّلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ حَتَّى أَدْرَكَ بَدْرًا، وَزَعَمَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم اسْتَغْفَرَ لَهُ حِينَ بَلَغَهُ مَوْتُهُ.
قال الهيثميُّ : رواهُ الطبرانيُّ وَفِيهِ حُدَيْجُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، وَثَّقَهُ أَبُو حَاتِمٍ، وَقَالَ: فِي بَعْضِ حَدِيثِهِ ضَعْفٌ، وَضَعَّفَهُ ابْنُ مَعِينٍ، وَغَيْرُهُ، وَبَقِيَّةُ رِجَالِهِ ثِقَاتٌ.
20723 / 9842 – «وَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ ابْنَةِ أَبِي أُمِّيَّةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَتْ: لَمَّا نَزَلْنَا أَرْضَ 24/6 الْحَبَشَةِ جَاوَرْنَا بِهَا خَيْرَ جَارٍ النَّجَاشِيَّ، أَمِنَّا عَلَى دِينِنَا، وَعَبَدْنَا اللَّهَ وَحْدَهُ لَا نُؤْذَى، وَلَا نَسْمَعُ شَيْئًا نَكْرَهُهُ، فَلَمَّا بَلَغَ ذَلِكَ قُرَيْشًا، ائْتَمَرُوا أَنْ يَبْعَثُوا إِلَى النَّجَاشِيِّ فِينَا رَجُلَيْنِ جَلْدَيْنِ، وَأَنْ يَهْدُوا لِلنَّجَاشِيِّ هَدَايَا مِمَّا يُسْتَطْرَفُ مِنْ مَتَاعِ مَكَّةَ، وَكَانَ أَعْجَبَ مَا يَأْتِيهِ مِنْهَا الْأَدَمُ، فَجَمَعُوا لَهُ أُدُمًا كَثِيرًا، وَلَمْ يَتْرُكُوا مِنْ بَطَارِقَتِهِ بِطْرِيقًا إِلَّا أَهْدَوْا لَهُ هَدِيَّةً، وَبَعَثُوا بِذَلِكَ مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ الْمَخْزُومِيِّ -، وَعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ بْنِ وَائِلٍ السَّهْمِيِّ، وَأَمَّرُوهُمَا أَمْرَهُمْ، وَقَالُوا لَهُمَا: ادْفَعُوا إِلَى كُلِّ بِطْرِيقٍ هَدِيَّتَهُ قَبْلَ أَنْ تُكَلِّمُوا النَّجَاشِيَّ فِيهِمْ، ثُمَّ قَدِّمُوا لِلنَّجَاشِيِّ هَدَايَاهُ، ثُمَّ اسْأَلُوهُ أَنْ يُسَلِّمَهُمْ إِلَيْكُمْ قَبْلَ أَنْ يُكَلِّمَهُمْ، قَالَتْ: فَخَرَجَا فَقَدِمَا عَلَى النَّجَاشِيِّ، وَنَحْنُ عِنْدَهُ بِخَيْرِ دَارٍ، وَخَيْرِ جَارٍ، فَلَمْ يَبْقَ مِنْ بَطَارِقَتِهِ بِطَرِيقٍ إِلَّا دَفَعَا إِلَيْهِ هَدِيَّتَهُ قَبْلَ أَنْ يُكَلِّمَا النَّجَاشِيَّ ثُمَّ قَالَا لِكُلِّ بِطْرِيقٍ مِنْهُمْ: إِنَّهُ قَدْ ضَوَى إِلَى بَلَدِ الْمَلِكِ مِنَّا غِلْمَانٌ سُفَهَاءُ، فَارَقُوا دِينَ قَوْمِهِمْ وَلَمْ يَدْخُلُوا فِي دِينِكُمْ، وَجَاءُوا بَدِينٍ مُبْتَدَعٍ لَا نَعْرِفُهُ نَحْنُ وَلَا أَنْتُمْ، وَقَدْ بَعَثَنَا إِلَى الْمَلِكِ فِيهِمْ أَشْرَافُ قَوْمِهِمْ لِيَرُدَّهُمْ إِلَيْهِمْ، فَإِذَا كَلَّمْنَا الْمَلِكَ فِيهِمْ فَأَشِيرُوا عَلَيْهِ أَنْ يُسَلِّمَهُمْ إِلَيْنَا، وَلَا يُكَلِّمَهُمْ، فَإِنَّ قَوْمَهُمْ أَعْلَى بِهِمْ عَيْنًا وَأَعْلَمُ بِمَا عَابُوا عَلَيْهِمْ، فَقَالُوا لَهُمَا: نَعَمْ. ثُمَّ قَرَّبُوا هَدَايَاهُمْ إِلَى النَّجَاشِيِّ فَقَبِلَهَا مِنْهُمْ ثُمَّ كَلَّمَاهُ، فَقَالَا لَهُ: أَيُّهَا الْمَلِكُ، قَدْ صَبَا إِلَى بَلَدِكَ مِنَّا غِلْمَانٌ سُفَهَاءُ، فَارَقُوا دِينَ قَوْمِهِمْ، وَلَمْ يَدْخُلُوا فِي دِينِكَ وَجَاءُوا بَدِينٍ مُبْتَدَعٍ لَا نَعْرِفُهُ نَحْنُ وَلَا أَنْتَ، وَقَدْ بَعَثَنَا إِلَيْكَ فِيهِمْ أَشْرَافُ قَوْمِهِمْ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَبْنَائِهِمْ وَعَشَائِرِهِمْ ; لِنَرُدَّهُمْ إِلَيْهِمْ، فَلَهُمْ أَعْلَى بِهِمْ عَيْنًا وَأَعْلَمُ بِمَا عَابُوا عَلَيْهِمْ، وَعَاتَبُوهُمْ فِيهِ. وَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ أَبْغَضُ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ، وَعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ مِنْ أَنْ يَسْمَعَ النَّجَاشِيُّ كَلَامَهُمْ، فَقَالَتْ بَطَارِقَتُهُ حَوْلَهُ: صَدَقُوا أَيُّهَا الْمَلِكُ قَوْمُهُمْ أَعْلَى بِهِمْ عَيْبًا، وَأَعْلَمُ بِمَا عَابُوا عَلَيْهِمْ، فَأَسْلِمْهُمْ إِلَيْهِمْ، فَلْيَرُدَّاهُمْ إِلَى بِلَادِهِمْ وَقَوْمِهِمْ. فَغَضِبَ النَّجَاشِيُّ، وَقَالَ: لَا هَا اللَّهِ، ايْمُ اللَّهِ، إِذًا لَا أُسَلِّمُهُمْ إِلَيْهِمَا، وَلَا أَكَادُ قَوْمًا جَاوَرُونِي وَنَزَلُوا بِلَادِي وَاخْتَارُونِي عَلَى مَنْ سِوَايَ حَتَّى أَدْعُوَهُمْ فَأَسْأَلَهُمْ عَمَّا يَقُولُ هَذَانِ فِي أَمْرِهِمْ، فَإِنْ كَانُوا كَمَا يَقُولَانِ أَسْلَمْتُهُمْ إِلَيْهِمَا، وَرَدَدْتُهُمْ إِلَى قَوْمِهِمْ، وَإِنْ كَانُوا عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ مَنَعْتُهُمْ مِنْهُمَا، وَأَحْسَنْتُ جِوَارَهُمْ مَا جَاوَرُونِي.
قَالَتْ: ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَى أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَدَعَاهُمْ فَلَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولُهُ اجْتَمَعُوا فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: مَا تَقُولُونَ فِي الرَّجُلِ إِذَا جِئْتُمُوهُ؟ قَالُوا: نَقُولُ وَاللَّهِ مَا عَلَّمَنَا وَمَا أَمَرَنَا 25/6 بِهِ نَبِيُّنَا صلى الله عليه وسلم كَائِنٌ فِي ذَلِكَ مَا هُوَ كَائِنٌ، فَلَمَّا جَاءُوهُ، وَقَدْ دَعَا النَّجَاشِيُّ أَسَاقِفَتَهُ فَنَشَرُوا مَصَاحِفَهُمْ حَوْلَهُ، سَأَلَهُمْ فَقَالَ: مَا هَذَا الدِّينُ الَّذِي قَدْ فَارَقْتُمْ فِيهِ قَوْمَكُمْ، وَلَمْ تَدْخُلُوا فِي دِينِي وَلَا فِي دِينِ أَحَدٍ مِنْ هَذِهِ الْأُمَمِ؟ قَالَتْ: وَكَانَ الَّذِي كَلَّمَهُ جَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ: أَيُّهَا الْمَلِكُ، كُنَّا قَوْمًا أَهْلَ جَاهِلِيَّةٍ نَعْبُدُ الْأَصْنَامَ، وَنَأْكُلُ الْمَيْتَةَ، وَنَأْتِي الْفَوَاحِشَ، وَنَقْطَعُ الْأَرْحَامَ، وَنُسِيءُ الْجِوَارَ، وَيَأْكُلُ الْقَوِيُّ مِنَّا الضَّعِيفَ، فَكُنَّا عَلَى ذَلِكَ حَتَّى بَعَثَ اللَّهُ إِلَيْنَا رَسُولًا مِنَّا نَعْرِفُ نَسَبَهُ وَصِدْقَهُ وَأَمَانَتَهُ وَعَفَافَهُ، فَدَعَانَا إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لِنُوَحِّدَهُ، وَنَعْبُدَهُ، وَنَخْلَعَ مَا كُنَّا نَعْبُدُ نَحْنُ وَآبَاؤُنَا مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنَ الْحِجَارَةِ وَالْأَوْثَانِ، وَأَمَرَنَا بِصِدْقِ الْحَدِيثِ، وَأَدَاءِ الْأَمَانَةِ، وَصِلَةِ الرَّحِمِ، وَحُسْنِ الْجِوَارِ وَالْكَفِّ عَنِ الْمَحَارِمِ وَالدِّمَاءِ، وَنَهَانَا عَنِ الْفَوَاحِشِ، وَشَهَادَةِ الزُّورِ، وَأَكْلِ مَالِ الْيَتِيمِ وَقَذْفِ الْمُحْصَنَةِ، وَأَمَرَنَا أَنْ نَعْبُدَ اللَّهَ لَا نُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا، وَإِقَامَ الصَّلَاةِ، وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ. قَالَتْ: فَعَدَّدَ عَلَيْهِ أُمُورَ الْإِسْلَامِ فَصَدَّقْنَاهُ وَآمَنَّا بِهِ وَاتَّبَعْنَاهُ عَلَى مَا جَاءَ بِهِ، فَعَبَدْنَا اللَّهَ وَحْدَهُ لَا نُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا، وَحَرَّمْنَا مَا حَرَّمَ عَلَيْنَا، وَأَحْلَلْنَا مَا أَحِلَّ لَنَا، فَغَدَا عَلَيْنَا قَوْمُنَا فَعَذَّبُونَا، وَفَتَنُونَا عَنْ دِينِنَا لِيَرُدُّونَا إِلَى عِبَادَةِ الْأَوْثَانِ مِنْ عِبَادَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَأَنْ نَسْتَحِلَّ مَا كُنَّا نَسْتَحِلُّ مِنَ الْخَبَائِثِ، فَلَمَّا قَهَرُونَا وَظَلَمُونَا، وَشَقُّوا عَلَيْنَا، وَحَالُوا بَيْنَنَا وَبَيْنَ دِينِنَا خَرَجْنَا إِلَى بَلَدِكَ، وَاخْتَرْنَاكَ عَلَى مَنْ سِوَاكَ، وَرَغِبْنَا فِي جِوَارِكَ، وَرَجَوْنَا أَنْ لَا نُظْلَمَ عِنْدَكَ أَيُّهَا الْمَلِكُ. قَالَتْ: فَقَالَ النَّجَاشِيُّ: هَلْ مَعَكَ مِمَّا جَاءَ بِهِ عَنِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ؟ قَالَتْ: فَقَالَ لَهُ جَعْفَرٌ: نَعَمْ. قَالَتْ: فَقَالَ لَهُ النَّجَاشِيُّ: فَاقْرَأْهُ. فَقَرَأَ عَلَيْهِ صَدْرًا مِنْ: (كهيعص) قَالَتْ: فَبَكَى وَاللَّهِ النَّجَاشِيُّ حَتَّى أَخْضَلَ لِحْيَتَهُ، وَبَكَتْ أَسَاقِفَتُهُ حَتَّى أَخْضَلُوا مَصَاحِفَهُمْ حِينَ سَمِعُوا مَا تَلَا عَلَيْهِمْ، ثُمَّ قَالَ النَّجَاشِيُّ: إِنَّ هَذَا وَاللَّهِ وَالَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى لَيَخْرُجُ مِنْ مِشْكَاةٍ وَاحِدَةٍ. انْطَلِقَا فَوَاللَّهِ لَا أُسَلِّمُهُمْ إِلَيْكُمْ أَبَدًا وَلَا أَكَادُ.
قَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: فَلَمَّا خَرَجَا مِنْ عِنْدِهِ، قَالَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ: وَاللَّهِ لَآتِيَنَّهُ غَدًا أَعِيبُهُمْ عِنْدَهُ بِمَا اسْتَأْصَلَ بِهِ خَضْرَاءَهُمْ، فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي رَبِيعَةَ وَكَانَ أَتْقَى الرَّجُلَيْنِ فِينَا : لَا تَفْعَلْ فَإِنَّ لَهُمْ أَرْحَامًا، وَإِنْ كَانُوا قَدْ خَالَفُونَا. قَالَ: وَاللَّهِ لَأُخْبِرَنَّهُ أَنَّهُمْ يَزْعُمُونَ أَنَّ عِيسَى بْنَ مَرْيَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَبْدٌ قَالَتْ: ثُمَّ غَدَا عَلَيْهِ الْغَدُ، فَقَالَ: أَيُّهَا الْمَلِكُ، إِنَّهُمْ يَقُولُونَ فِي عِيسَى بْنِ مَرْيَمَ قَوْلًا عَظِيمًا. فَأَرْسِلْ إِلَيْهِمْ فَسَلْهُمْ عَمَّا يَقُولُونَ فِيهِ؟! 26/6 قَالَتْ: فَأَرْسَلَ إِلَيْهِمْ يَسْأَلُهُمْ عَنْهُ، قَالَتْ: وَلَمْ يَنْزِلْ بِنَا مِثْلُهَا، وَاجْتَمَعَ الْقَوْمُ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: مَا تَقُولُونَ فِي عِيسَى إِذَا سَأَلَكُمْ عَنْهُ، قَالُوا: نَقُولُ وَاللَّهِ مَا قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَمَا جَاءَ بِهِ نَبِيُّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَائِنٌ فِي ذَلِكَ مَا هُوَ كَائِنٌ، فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ قَالَ لَهُمْ: مَا تَقُولُ فِي عِيسَى بْنِ مَرْيَمَ؟ فَقَالَ لَهُ جَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ: نَقُولُ فِيهِ الَّذِي جَاءَ بِهِ نَبِيُّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “هُوَ عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ وَرُوحُهُ، وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ الْعَذْرَاءِ الْبَتُولِ”. قَالَ: فَضَرَبَ النَّجَاشِيُّ يَدَهُ إِلَى الْأَرْضِ فَأَخَذَ مِنْهَا عُودًا ثُمَّ قَالَ: مَا عَدَا عِيسَى بْنُ مَرْيَمَ مَا قُلْتَ هَذَا الْعُودَ. فَتَنَاخَرَتْ بَطَارِقُهُ حَوْلَهُ حِينَ قَالَ مَا قَالَ. فَقَالَ: وَإِنْ نَخَرْتُمْ وَاللَّهِ، اذْهَبُوا فَأَنْتُمْ سُيُومٌ بِأَرْضِي وَالسُّيُومُ: الْآمِنُونَ مَنْ سَبَّكُمْ غَرِمَ، ثُمَّ مَنْ سَبَّكُمْ غَرِمَ، ثُمَّ مَنْ سَبَّكُمْ غَرِمَ. مَا أُحِبُّ أَنَّ لِي دُبُرًا ذَهَبًا، وَأَنِّي آذَيْتُ رَجُلًا مِنْكُمْ وَالدُّبُرُ بِلِسَانِ الْحَبَشَةِ: الْجَبَلُ رُدُّوا عَلَيْهِمَا هَدَايَاهُمَا فَلَا حَاجَةَ لِي فِيهِمَا، فَوَاللَّهِ مَا أَخَذَ اللَّهُ مِنِّي الرِّشْوَةَ حِينَ رَدَّ عَلَيَّ مُلْكِي، فَآخُذَ فِيهِ الرِّشْوَةَ، وَمَا أَطَاعَ النَّاسَ فِيَّ، فَأُطِيعَهُمْ فِيهِ. فَخَرَجَا مِنْ عِنْدِهِ مَقْبُوحَيْنِ مَرْدُودًا عَلَيْهِمَا مَا جَاءَا بِهِ.
وَأَقَمْنَا عِنْدَهُ فِي خَيْرِ دَارٍ مَعَ خَيْرِ جَارٍ، فَوَاللَّهِ إِنَّا لَعَلَى ذَلِكَ إِذْ نَزَلَ بِهِ يَعْنِي: مَنْ يُنَازِعُهُ فِي مُلْكِهِ قَالَتْ: وَاللَّهِ مَا عَلِمْنَا حُزْنًا قَطُّ كَانَ أَشَدَّ مِنْ حُزْنٍ حَزِنَّاهُ عِنْدَ ذَلِكَ تَخَوُّفًا أَنْ يَظْهَرَ ذَلِكَ عَلَى النَّجَاشِيِّ، فَيَأْتِيَ رَجُلٌ لَا يَعْرِفُ مِنْ حَقِّنَا مَا كَانَ النَّجَاشِيُّ يَعْرِفُ مِنْهُ.
قَالَتْ: وَسَارَ النَّجَاشِيُّ وَبَيْنَهُمَا عُرْضُ النِّيلِ، قَالَتْ: فَقَالَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ رَجُلٌ يَخْرُجُ حَتَّى يُحْضِرَ وَقِيعَةَ الْقَوْمِ ثُمَّ يَأْتِيَنَا؟ قَالَتْ: فَقَالَ الزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَّامِ: أَنَا، قَالَتْ: وَكَانَ مِنْ أَحْدَثِ الْقَوْمِ سِنًّا. قَالَتْ: فَنَفَخُوا لَهُ قِرْبَةً فَجَعَلُوهَا فِي صَدْرِهِ فَسَبَحَ عَلَيْهَا حَتَّى خَرَجَ إِلَى نَاحِيَةِ النِّيلِ الَّتِي بِهَا مُلْتَقَى الْقَوْمِ، ثُمَّ انْطَلَقَ حَتَّى حَضَرَهُمْ، قَالَتْ: وَدَعَوْنَا اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لِلنَّجَاشِيِّ بِالظُّهُورِ عَلَى عَدُّوِهِ، وَالتَّمْكِينِ لَهُ فِي بِلَادِهِ. وَاسْتَوْسَقَ عَلَيْهِ أَمْرُ الْحَبَشَةِ، فَكُنَّا عِنْدَهُ فِي خَيْرِ مَنْزِلٍ حَتَّى قَدِمْنَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ بِمَكَّةَ».
قال الهيثميُّ : رواه أحمد، وَرِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيحِ غَيْرَ إِسْحَاقَ، وَقَدْ صَرَّحَ بِالسَّمَاعِ.
20724 / 9843 – وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حَاطِبٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنِّي رَأَيْتُ أَرْضًا ذَاتَ نَخْلٍ فَاخْرُجُوا”. قَالَ: فَخَرَجَ حَاطِبٌ وَجَعْفَرٌ فِي الْبَحْرِ قِبَلَ النَّجَاشِيِّ. قَالَ: فَوُلِدْتُ أَنَا فِي تِلْكَ السَّفِينَةِ».
قال الهيثميُّ : رواه أحمد، وَالطَّبَرَانِيُّ، وَرِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيحِ.
20725 / 9844 – وَعَنْ عُمَيْرِ بْنِ إِسْحَاقَ قَالَ: «قَالَ جَعْفَرٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ائْذَنْ لِي أَنْ آتِيَ أَرْضًا أَعْبُدُ اللَّهَ فِيهَا لَا أَخَافُ أَحَدًا.27/6 قَالَ: فَأُذِنَ لَهُ فِيهَا فَأَتَى النَّجَاشِيَّ، قَالَ عَمِيرٌ: حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ قَالَ: لَمَّا رَأَيْتُ جَعْفَرًا وَأَصْحَابَهُ آمِنِينَ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ حَسَدْتُهُ، قُلْتُ: لَا تَسْتَقْبِلَنَّ لِهَذَا وَأَصْحَابِهِ فَأَتَيْتُ النَّجَاشِيَّ، فَقُلْتُ: ائْذَنْ لِعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، فَأَذِنَ لِي، فَدَخَلْتُ، فَقُلْتُ: إِنَّ بِأَرْضِنَا ابْنَ عَمٍّ لِهَذَا يَزْعُمُ أَنَّهُ لَيْسَ لِلنَّاسِ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ، وَإِنَّا وَاللَّهِ إِنْ لَمْ تُرِحْنَا مِنْهُ وَأَصْحَابِهِ لَا قَطَعْتُ إِلَيْكَ هَذِهِ النُّطْفَةَ، وَلَا أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِي أَبَدًا. فَقَالَ: وَأَيْنَ هُوَ؟ قُلْتُ: إِنَّهُ يَجِيءُ مَعَ رَسُولِكَ ; إِنَّهُ لَا يَجِيءُ مَعِي، فَأَرْسَلَ مَعِي رَسُولًا فَوَجَدْنَاهُ قَاعِدًا بَيْنَ أَصْحَابِهِ، فَدَعَاهُ فَجَاءَ فَلَمَّا أَتَيْتُ الْبَابَ، نَادَيْتُ: ائْذَنْ لِعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، وَنَادَى خَلْفِي: ائْذَنْ لِحِزْبِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. فَسَمِعَ صَوْتَهُ، فَأَذِنَ لَهُ قَبْلِي، فَدَخَلَ وَدَخَلْتُ، وَإِذَا النَّجَاشِيُّ عَلَى السَّرِيرِ قَالَ: فَذَهَبْتُ حَتَّى قَعَدْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَجَعَلْتُهُ خَلْفِي، وَجَعَلْتُ بَيْنَ كُلِّ رَجُلَيْنِ مِنْ أَصْحَابِهِ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِي، فَقَالَ النَّجَاشِيُّ: نَجِّرُوا قَالَ عَمْرٌو: يَعْنِي تَكَلَّمُوا قُلْتُ: إِنَّ بِأَرْضِكَ رَجُلًا ابْنُ عَمِّهِ بِأَرْضِنَا، وَيَزْعُمُ أَنَّهُ لَيْسَ لِلنَّاسِ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ، وَإِنَّكَ إِنْ لَمْ تَقْتُلْهُ وَأَصْحَابَهُ لَا أَقْطَعُ إِلَيْكَ هَذِهِ النُّطْفَةَ أَنَا وَلَا أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِي أَبَدًا، قَالَ جَعْفَرٌ: صَدَقَ ابْنُ عَمِّي وَأَنَا عَلَى دِينِهِ قَالَ: فَصَاحَ صِيَاحًا، وَقَالَ: أُوهٍ. حَتَّى قُلْتُ: مَا لِابْنِ الْحَبَشِيَّةِ لَا يَتَكَلَّمُ؟! وَقَالَ: أَنَامُوسٌ، كَنَامُوسِ مُوسَى؟ قَالَ: مَا تَقُولُونَ فِي عِيسَى بْنِ مَرْيَمَ؟ قَالَ: أَقُولُ هُوَ رُوحُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ. قَالَ: فَتَنَاوَلَ شَيْئًا مِنَ الْأَرْضِ، فَقَالَ: مَا أَخْطَأَ فِي أَمْرِهِ مِثْلَ هَذَا، فَوَاللَّهِ لَوْلَا مُلْكِي لَاتَّبَعْتُكُمْ، وَقَالَ لِي: مَا كُنْتُ أُبَالِي أَنْ لَا تَأْتِيَنِي أَنْتَ، وَلَا أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِكَ أَبَدًا. أَنْتَ آمِنٌ بِأَرْضِي مَنْ ضَرَبَكَ قَتَلْتُهُ، وَمَنْ سَبَّكَ غَرَّمْتُهُ، وَقَالَ لِآذِنِهِ: مَتَى اسْتَأْذَنَكَ هَذَا فَائْذَنْ لَهُ إِلَّا أَنْ أَكُونَ عِنْدَ أَهْلِي، فَإِنْ أَتَى فَأْذَنْ لَهُ.
قَالَ: فَتَفَرَّقْنَا وَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ أَحَبَّ إِلَيَّ أَنْ أَلْقَاهُ مِنْ جَعْفَرٍ قَالَ: فَاسْتَقْبَلَنِي مِنْ طَرِيقٍ مَرَّةً، فَنَظَرْتُ خَلْفَهُ فَلَمْ أَرَ أَحَدًا، فَنَظَرْتُ خَلْفِي فَلَمْ أَرَ أَحَدًا، فَدَنَوْتُ مِنْهُ، وَقُلْتُ: أَتَعْلَمُ أَنِّي أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؟ قَالَ: فَقَدْ هَدَاكَ اللَّهُ فَاثْبُتْ، فَتَرَكَنِي وَذَهَبَ، فَأَتَيْتُ أَصْحَابِي فَكَأَنَّمَا شَهِدُوهُ مَعِي، فَأَخَذُوا قَطِيفَةً أَوْ ثَوْبًا فَجَعَلُوهُ عَلَيَّ حَتَّى غَمُّونِي بِهَا قَالَ: وَجَعَلْتُ أُخْرِجُ رَأْسِي مِنْ هَذِهِ النَّاحِيَةِ مَرَّةً وَمِنْ هَذِهِ النَّاحِيَةِ مَرَّةً حَتَّى أَفْلَتَ، وَمَا عَلَيَّ قِشْرَةً، فَمَرَرْتُ عَلَى حَبَشِيَّةٍ، فَأَخَذْتُ قِنَاعَهَا، فَجَعَلْتُهُ عَلَى عَوْرَتِي، فَأَتَيْتُ جَعْفَرًا فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ، فَقَالَ: مَا لَكَ؟ فَقُلْتُ: أَخَذَ كُلَّ شَيْء 28/6 لِي مَا تَرَكَ عَلَيَّ قِشْرَةً فَأَتَيْتُ حَبَشِيَّةً، فَأَخَذْتُ قِنَاعَهَا، فَجَعَلْتُهُ عَلَى عَوْرَتِي، فَانْطَلَقَ وَانْطَلَقْتُ مَعَهُ حَتَّى انْتَهَيْنَا إِلَى بَابِ الْمَلِكِ، فَقَالَ جَعْفَرٌ لِآذِنِهِ: اسْتَأْذِنْ لِي. قَالَ: إِنَّهُ عِنْدَ أَهْلِهِ فَأَذِنَ لَهُ، فَقُلْتُ: إِنَّ عَمْرًا تَابَعَنِي عَلَى دِينِي قَالَ: كَلَّا، قُلْتُ: بَلَى، فَقَالَ لِإِنْسَانٍ: اذْهَبْ مَعَهُ فَإِنْ فَعَلَ فَلَا تَقُلْ شَيْئًا إِلَّا كَتَبْتُهُ قَالَ: فَجَاءَ، فَقَالَ: نَعَمْ، فَجَعَلْتُ أَقُولُ وَجَعَلَ يَكْتُبُ حَتَّى كَتَبَ كُلَّ شَيْءٍ حَتَّى الْقَدَحَ قَالَ: وَلَوْ شِئْتَ آخُذُ شَيْئًا مِنْ أَمْوَالِهِمْ إِلَى مَالِي فَعَلْتُ.
قال الهيثميُّ : رواهُ الطبرانيُّ وَالْبَزَّارُ. وَصَدْرُ الْحَدِيثِ فِي أَوَّلِهِ لَهُ، وَزَادَ فِي آخِرِهِ قَالَ: ثُمَّ كُنْتُ بَعْدُ مِنَ الَّذِينَ أَقْبَلُوا فِي السُّفُنِ مُسْلِمِينَ». وَعُمَيْرُ بْنُ إِسْحَاقَ وَثَّقَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَغَيْرُهُ، وَفِيهِ كَلَامٌ لَا يَضُرُّ، وَبَقِيَّةُ رِجَالِهِ رِجَالُ الصَّحِيحِ. وَرَوَى أَبُو يَعْلَى بَعْضَهُ ثُمَّ قَالَ: فَذَكَرَ الْحَدِيثَ بِطُولِهِ. وعزاه الحافظ ابن حجر في المطالب العالية رقم (4283) لأبي يعلى.
كذلك هو في إتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة (5/ 80) واشار لرواية البزار.
20726 / 9845 – وَعَنْ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: «بَعَثَتْ قُرَيْشٌ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ، وَعُمَارَةَ بْنَ الْوَلِيدِ بِهَدِيَّةٍ مِنْ أَبِي سُفْيَانَ إِلَى النَّجَاشِيِّ، فَقَالُوا لَهُ وَنَحْنُ عِنْدُهُ: قَدْ بَعَثُوا إِلَيْكَ أُنَاسًا مِنْ سَفَلَتِنَا وَسُفَهَائِهِمْ فَادْفَعَهُمْ إِلَيْنَا قَالَ: لَا، حَتَّى أَسْمَعَ كَلَامَهُمْ، فَبَعَثَ إِلَيْنَا، وَقَالَ: مَا تَقُولُونَ؟ فَقُلْنَا: إِنَّ قَوْمَنَا يَعْبُدُونَ الْأَوْثَانَ، وَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ بَعَثَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَآمَنَّا بِهِ وَصَدَّقْنَاهُ، فَقَالَ لَهُمُ النَّجَاشِيُّ: عَبِيدٌ هُمْ لَكُمْ؟ قَالُوا: لَا. قَالَ: فَلَكُمْ عَلَيْهِمْ دَيْنٌ؟ قَالُوا: لَا. قَالَ: فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ، فَخَرَجْنَا مِنْ عِنْدِهِ.
فَقَالَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ: إِنَّ هَؤُلَاءِ يَقُولُونَ فِي عِيسَى غَيْرَ مَا تَقُولُونَ قَالَ: إِنْ لَمْ يَقُولُوا فِي عِيسَى مِثْلَ مَا نَقُولُ، لَا أَدَعُهُمْ فِي أَرْضِي سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ قَالَ: فَأَرْسَلَ إِلَيْنَا فَكَانَتِ الدَّعْوَةُ الثَّانِيَةُ أَشَدَّ عَلَيْنَا مِنَ الْأُولَى، فَقَالَ: مَا يَقُولُ صَاحِبُكُمْ فِي عِيسَى بْنِ مَرْيَمَ؟ فَقُلْنَا: يَقُولُ: “هُوَ رُوحُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى الْعَذْرَاءِ الْبَتُولِ”. قَالَ: فَأَرْسَلَ، فَقَالَ: ادْعُوا فُلَانًا الْقِسِّيسَ، وَفُلَانًا الرَّاهِبَ، فَأَتَاهُ نَاسٌ مِنْهُمْ، فَقَالَ: مَا تَقُولُونَ فِي عِيسَى بْنِ مَرْيَمَ؟ قَالُوا: فَأَنْتَ أَعْلَمُنَا فَمَا تَقُولُ؟ قَالَ: فَأَخَذَ النَّجَاشِيُّ شَيْئًا مِنَ الْأَرْضِ ثُمَّ قَالَ: هَكَذَا عِيسَى بْنُ مَرْيَمَ مَا زَادَ عَلَى مَا قَالَ هَؤُلَاءِ مِثْلَ هَذَا، ثُمَّ قَالَ لَهُمْ: أَيُؤْذِيكُمْ أَحَدٌ؟ قَالُوا: نَعَمْ. فَأَمَرَ مُنَادِيًا فَنَادَى: مَنْ آذَى أَحَدًا مِنْ هَؤُلَاءِ فَأَغْرِمُوهُ أَرْبَعَةَ دَرَاهِمَ قَالَ: يَكْفِيَكُمْ؟ فَقُلْنَا: لَا. فَأَضْعَفَهَا.
فَلَمَّا هَاجَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى الْمَدِينَةِ، وَظَهَرَ بِهَا، قُلْنَا لَهُ: إِنَّ صَاحِبَنَا قَدْ خَرَجَ إِلَى الْمَدِينَةِ، وَظَهَرَ بِهَا، وَهَاجَرَ قِبَلَ الَّذِينَ كُنَّا حَدَّثْنَاكَ عَنْهُمْ، وَقَدْ أَرَدْنَا الرَّحِيلَ إِلَيْهِ فَزَوِّدْنَا قَالَ: نَعَمْ، فَحَمَلَنَا وَزَوَّدَنَا وَأَعْطَانَا ثُمَّ قَالَ: أَخْبِرْ صَاحِبَكَ مَا صَنَعْتُ إِلَيْكُمْ، وَهَذَا رَسُولِي مَعَكَ 29/6 وَأَنَا أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ، فَقُلْ لَهُ يَسْتَغْفِرْ لِي، قَالَ جَعْفَرٌ: فَخَرَجْنَا حَتَّى أَتَيْنَا الْمَدِينَةَ، فَتَلَقَّانَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَاعْتَنَقَنِي، فَقَالَ: “مَا أَدْرِي أَنَا بِفَتْحِ خَيْبَرَ أَفْرَحُ، أَمْ بِقُدُومِ جَعْفَرٍ؟”.
ثُمَّ جَلَسَ، فَقَامَ رَسُولُ النَّجَاشِيِّ، فَقَالَ: هُوَ ذَا جَعْفَرٌ فَسَلْهُ مَا صَنَعَ بِهِ صَاحِبُنَا؟ فَقُلْتُ: نَعَمْ، قَدْ فَعَلَ بِنَا، قَدْ فَعَلَ كَذَا وَكَذَا، وَحَمَلَنَا وَزَوَّدَنَا، وَنَصَرَنَا، وَشَهِدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ، وَقَالَ: قُلْ لَهُ يَسْتَغْفِرْ لِي، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَتَوَضَّأَ ثُمَّ دَعَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ: “اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلنَّجَاشِيِّ”. فَقَالَ الْمُسْلِمُونَ: آمِينَ. فَقَالَ جَعْفَرٌ: فَقُلْتُ لِلرَّسُولِ: انْطَلِقْ فَأَخْبِرْ صَاحِبَكَ مَا رَأَيْتَ مِنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.»
20727 / 9846 – «وَعَنْ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّ النَّجَاشِيَّ سَأَلَهُ: مَا دِينُكُمْ؟ قَالَ: بُعِثَ إِلَيْنَا رَسُولٌ نَعْرِفُ لِسَانَهُ وَصِدْقَهُ وَوَفَاءَهُ، فَدَعَانَا إِلَى أَنْ نَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ لَا نُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا، وَنَخْلَعَ مَا كَانَ يَعْبُدُ قَوْمُنَا وَغَيْرُهُمْ مِنْ دُونِهِ يَأْمُرُنَا بِالْمَعْرُوفِ، وَيَنْهَانَا عَنِ الْمُنْكَرِ، وَأَمَرَنَا بِالصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ وَالصَّدَقَةِ وَصِلَةِ الرَّحِمِ، فَدَعَانَا إِلَى مَا نَعْرِفُ، وَقَرَأَ عَلَيْنَا تَنْزِيلًا جَاءَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لَا يُشْبِهُ غَيْرَهُ، فَصَدَّقْنَاهُ وَآمَنَّا بِهِ، وَعَرَفْنَا أَنَّ مَا جَاءَ بِهِ حَقٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، فَفَارَقْنَا عِنْدَ ذَلِكَ قَوْمَنَا فَآذَوْنَا وَقَهَرُونَا، فَلَمَّا أَنْ بَلَغُوا مِنَّا مَا نَكْرَهُ، وَلَمْ نَقْدِرْ عَلَى أَنْ نَمْتَنِعَ مِنْهُمْ خَرَجْنَا إِلَى بَلَدِكَ، وَاخْتَرْنَاكَ عَلَى مَنْ سِوَاكَ، فَقَالَ النَّجَاشِيُّ: اذْهَبُوا فَأَنْتُمْ سُيُومٌ بِأَرْضِي يَقُولُ: آمِنُونَ مَنْ سَبَّكُمْ غَرِمَ».
قال الهيثميُّ : رواهُ الطبرانيُّ مِنْ طَرِيقَيْنِ عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ وَهُوَ مُدَلِّسٌ.
20728 / 9847 – وَعَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ: «أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ نَنْطَلِقَ مَعَ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ إِلَى النَّجَاشِيِّ فَبَلَغَ ذَلِكَ قُرَيْشًا، فَبَعَثُوا عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ، وَعُمَارَةَ بْنَ الْوَلِيدِ، وَجَمَعَا لِلنَّجَاشِيِّ هَدِيَّةً، وَقَدِمَا عَلَى النَّجَاشِيِّ فَأَتَيَاهُ بِالْهَدِيَّةِ فَقَبِلَهَا وَسَجَدَا لَهُ ثُمَّ قَالَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ: إِنَّ نَاسًا مِنْ أَرْضِنَا رَغِبُوا عَنْ دِينِنَا وَهُمْ فِي أَرْضِكَ، فَقَالَ لَهُمُ النَّجَاشِيُّ: فِي أَرْضِي؟ قَالُوا: نَعَمْ. فَبَعَثَ إِلَيْنَا، فَقَالَ لَنَا جَعْفَرٌ: لَا يَتَكَلَّمْ مِنْكُمْ أَحَدٌ، أَنَا خَطِيبُكُمُ الْيَوْمَ، فَانْتَهَيْنَا إِلَى النَّجَاشِيِّ وَهُوَ جَالِسٌ فِي مَجْلِسٍ، وَعَمْرُو بْنُ الْعَاصِ عَنْ يَمِينِهِ، وَعُمَارَةُ عَنْ يَسَارِهِ، وَالْقِسِّيسُونَ وَالرُّهْبَانُ جُلُوسٌ سِمَاطِينَ، وَقَدْ قَالَ لَهُ عَمْرٌو وَعُمَارَةُ: إِنَّهُمْ 30/6 لَا يَسْجُدُونَ لَكَ، فَلَمَّا انْتَهَيْنَا بَدَرَنَا مَنْ عِنْدَهُ مِنَ الْقِسِّيسِينَ وَالرُّهْبَانِ: اسْجُدُوا لِلْمَلِكِ، فَقَالَ جَعْفَرٌ: إِنَّا لَا نَسْجُدُ إِلَّا لِلَّهِ. قَالَ لَهُ النَّجَاشِيُّ: وَمَا ذَاكَ؟ إِنَّ اللَّهَ بَعَثَ إِلَيْنَا رَسُولًا، وَهُوَ الرَّسُولُ الَّذِي بَشَّرَ بِهِ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ، وَأَمَرَنَا بِالْمَعْرُوفِ، وَنَهَانَا عَنِ الْمُنْكَرِ.
فَأَعْجَبَ النَّجَاشِيَّ قَوْلُهُ، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ عَمْرٌو قَالَ: أَصْلَحَ اللَّهُ الْمَلِكَ، إِنَّهُمْ يُخَالِفُونَكَ فِي ابْنِ مَرْيَمَ، فَقَالَ النَّجَاشِيُّ: مَا يَقُولُ صَاحِبُكُمْ فِي ابْنِ مَرْيَمَ؟ قَالَ: يَقُولُ فِيهِ قَوْلَ اللَّهِ: “هُوَ رُوحُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَخْرَجَهُ مِنَ الْعَذْرَاءِ الْبَتُولِ الَّتِي لَمْ يَقْرَبْهَا بَشَرٌ، وَلَمْ يَفْتَرِضْهَا وَلَدٌ”. فَتَنَاوَلَ النَّجَاشِيُّ عُودًا مِنَ الْأَرْضِ فَرَفَعَهُ، فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ الْقِسِّيسِينَ وَالرُّهْبَانِ، مَا يَزِيدُ هَؤُلَاءِ عَلَى مَا تَقُولُونَ فِي ابْنِ مَرْيَمَ مَا يَزِنُ هَذِهِ، مَرْحَبًا بِكُمْ، وَبِمَنْ جِئْتُمْ مِنْ عِنْدِهِ، أَشْهَدُ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ وَأَنَّهُ الَّذِي بَشَّرَ بِهِ عِيسَى، وَلَوْلَا مَا أَنَا فِيهِ مِنَ الْمُلْكِ لَأَتَيْتُهُ حَتَّى أُقَبِّلَ نَعْلَيْهِ، امْكُثُوا فِي أَرْضِي مَا شِئْتُمْ. وَأَمَرَ لَنَا بِطَعَامٍ وَكُسْوَةٍ، وَقَالَ: رُدُّوا عَلَى هَذَيْنِ هَدِيَّتَهُمَا، وَكَانَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ رَجُلًا قَصِيرًا، وَكَانَ عُمَارَةُ رَجُلًا جَمِيلًا، وَكَانَا أَقْبَلَا إِلَى النَّجَاشِيِّ فَشَرِبُوا يَعْنِي خَمْرًا وَمَعَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ امْرَأَتُهُ فَلَمَّا شَرِبُوا مِنَ الْخَمْرِ، قَالَ عُمَارَةُ لِعَمْرٍو: مُرِ امْرَأَتَكَ فَلْتُقَبِّلْنِي، فَقَالَ لَهُ عَمْرٌو: أَلَا تَسْتَحِي؟ فَأَخَذَ عُمَارَةُ عَمْرًا فَرَمَى بِهِ فِي الْبَحْرِ، فَجَعَلَ عَمْرٌو يُنَاشِدُ عُمَارَةَ حَتَّى أَدْخَلَهُ السَّفِينَةَ، فَحَقَدَ عَمْرٌو عَلَى ذَلِكَ، فَقَالَ عَمْرٌو لِلنَّجَاشِيِّ: إِنَّكَ إِذَا خَرَجْتَ خَلَفَكَ عُمَارَةَ فِي أَهْلِكَ. فَدَعَا النَّجَاشِيُّ عُمَارَةَ فَنَفَخَ فِي إِحْلِيلِهِ فَطَارَ مَعَ الْوَحْشِ.
قُلْتُ: رَوَى أَبُو دَاوُدُ مِنْهُ مِقْدَارَ سَطْرٍ مِنَ الْجَنَائِزِ».
قال الهيثميُّ : رواهُ الطبرانيُّ وَرِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيحِ.
وهو في المستدرك (3208) الا شيئا يسيرا من آخره.
20729 / 9848 – وَعَنِ ابْنِ شِهَابٍ فِي تَسْمِيَةِ مَنْ هَاجَرَ إِلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ فَأَقَامَ بِهَا حَتَّى قَدِمَ بَعْدَ بَدْرٍ: شُرَحْبِيلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَسَنَةَ، وَهِيَ أُمُّهُ.
قال الهيثميُّ : رواهُ الطبرانيُّ وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ.
20730 / 9849 – وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى قَالَ: إِنَّ قُرَيْشًا بَعَثُوا عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ، وَعُمَارَةَ بْنَ الْوَلِيدِ زَمَنَ النَّجَاشِيِّ، وَكَانَ عُمَارَةُ رَجُلًا جَمِيلًا، وَكَانَ يَقْذِفُ عَمْرًا فِي الْبَحْرِ، وَكَانَ يَعُومُ فَيَخْرُجُ، ثُمَّ يُلْقِيهِ أَيْضًا، فَيَعُومُ، فَحَقَدَ عَمْرٌو فِي نَفْسِهِ عَلَى عُمَارَةَ مَا كَانَ يَصْنَعُ بِهِ، فَلَمَّا قَدِمَا دَخَلَا عَلَى النَّجَاشِيِّ، فَقَالَا لَهُ: إِنَّ جَعْفَرًا وَأَصْحَابَهُ طَعَنُوا عَلَى آبَائِهِمْ، وَخَالَفُوهُمْ فِي دِينِهِمْ، وَهُمْ يُخَالِفُونَكَ، وَلَا يُحَيُّونَكَ كَمَا يُحَيِّكَ النَّاسُ، فَوَقَعُوا فِيهِمْ، فَبَعَثَ النَّجَاشِيُّ إِلَى 31/6 جَعْفَرٍ وَأَصْحَابِهِ، فَقَالَ: مَا لَكُمْ لَا تُحَيُّونِي كَمَا تُحَيِّينِي النَّاسُ؟ قَالُوا: إِنَّ لَنَا رَبًّا لَا يَنْبَغِي أَنْ نَسْجُدَ لِغَيْرِهِ، وَلَوْ سَجَدْنَا لِأَحَدٍ لَسَجَدْنَا لِنَبِيِّنَا قَالَ: هَلْ مَعَكُمْ مِنْ كِتَابِكُمْ شَيْءٌ؟ قَالُوا: نَعَمْ، فَقَرَأَ جَعْفَرٌ سُورَةَ مَرْيَمَ، فَقَالَ: مَا تَقُولُ فِي عِيسَى؟ قَالَ: هُوَ رُوحُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ فَقَالَ لِأَصْحَابِهِ: مَا تَقُولُونَ؟ فَسَكَتُوا، فَأَخَذَ شَيْئًا مِنَ الْأَرْضِ بَيْنَ أُصْبُعَيْهِ، فَقَالُوا: وَاللَّهِ مَا خَالَفُوا أَمْرَ عِيسَى هَذِهِ وَإِنْ أَنْكَرْتُكُمْ، وَإِنِّي أُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ آمَنْتُ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ قَالَ: إِنْ شِئْتُمْ جَهَّزْتُكُمْ فَقَدِمْتُمْ عَلَى نَبِيِّكُمْ، وَإِنْ شِئْتُمْ أَقَمْتُمْ عِنْدِي حَتَّى يَسْتَقِرَّ مَكَانًا، فَأَخَذَ عَمْرٌو يَعْمَلُ فِي عُمَارَةَ، فَلَطُفَ بِامْرَأَةِ النَّجَاشِيِّ فَأَخَذَ عِطْرًا مِنْ عِطْرِهَا، ثُمَّ قَالَ لِلنَّجَاشِيِّ: إِنَّ عُمَارَةَ يَدْخُلُ عَلَى امْرَأَتِكَ، وَآيَةُ ذَلِكَ أَنَّهُ يَدْخُلُ عَلَيْكَ غَدًا وَعَلَيْهِ طِيبٌ مِنْ طِيبِهَا، فَلَمَّا أَصْبَحَا طَيَّبَهُ، فَقَالَ: انْطَلِقْ بِنَا إِلَى الْمَلِكِ، فَانْطَلَقَا حَتَّى دَخَلَ فَوَجَدَ مِنْهُ رِيحَ الطِّيبِ، فَعَرَفَ النَّجَاشِيُّ طِيبَهُ، فَأَمَرَ النَّجَاشِيُّ بِعُمَارَةَ فَنَفَخَ فِي إِحْلِيلِهِ، فَاسْتُطِيرَ حَتَّى لَحِقَ بِالصَّحَارَى، يَسْعَى فِيهَا مَعَ الْوَحْشِ، فَجَاءَ بَعْدَ ذَلِكَ أَهْلَهُ فَأَصَابُوهُ، فَسَقَوْهُ شَرْبَةً مِنْ سَوِيقٍ فَتَعْتَعَتْهُ فَمَاتَ، فَلَمَّا قَدِمَ جَعْفَرٌ وَأَصْحَابُهُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم جَاءَتْهُ وَفَاةُ النَّجَاشِيِّ.
قال الهيثميُّ : رواهُ الطبرانيُّ مُرْسَلًا، وَفِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ الثَّقَفِيُّ وَهُوَ ضَعِيفٌ.
20731 / 9850 – «وَعَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ فِي تَسْمِيَةِ الَّذِينَ خَرَجُوا إِلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ الْمَرَّةَ الْأُولَى قَبْلَ خُرُوجِ جَعْفَرٍ وَأَصْحَابِهِ: الزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَّامِ، وَسَهْلُ بْنُ بَيْضَاءَ، وَعَامِرُ بْنُ رَبِيعَةَ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ، وَعُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ، وَمَعَهُ امْرَأَتُهُ رُقَيَّةُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَعُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونٍ، وَمُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ أَحَدُ بَنِي عَبْدِ الدَّارِ، وَأَبُو حُذَيْفَةَ بْنُ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ، وَمَعَهُ امْرَأَتُهُ سَهْلَةُ بِنْتُ سُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو، وَلَدَتْ لَهُ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ مُحَمَّدَ بْنَ أَبِي حُذَيْفَةَ، وَأَبُو سَبْرَةَ بْنُ أَبِي +رُهْمٍ، وَمَعَهُ أُمُّ كُلْثُومَ بِنْتُ سُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو، وَأَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الْأَسَدِ، وَمَعَهُ امْرَأَتُهُ أُمُّ سَلَمَةَ.
قَالَ: ثُمَّ رَجَعَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ ذَهَبُوا الْمَرَّةَ الْأُولَى قَبْلَ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَأَصْحَابِهِ حِينَ أَنْزَلَ اللَّهُ السُّورَةَ الَّتِي يَذْكُرُ فِيهَا {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى} [النجم: 1] فَقَالَ الْمُشْرِكُونَ مِنْ قُرَيْشٍ: لَوْ كَانَ هَذَا الرَّجُلُ يَذْكُرُ آلِهَتَنَا بِخَيْرٍ أَقْرَرْنَاهُ وَأَصْحَابَهُ، فَإِنَّهُ لَا يَذْكُرُ أَحَدًا مِمَّنْ خَالَفَ دِينَهُ مِنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى بِمِثْلِ الَّذِي يَذْكُرُ بِهِ آلِهَتَنَا مِنَ الشَّرِّ وَالشَّتْمِ، فَلَمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ السُّورَةَ الَّذِي يَذْكُرُ فِيهَا وَالنَّجْمِ، وَقَرَأَ: {أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى 32/6 وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى} [النجم: 19 – 20] أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِيهَا عِنْدَ ذَلِكَ ذِكْرَ الطَّوَاغِيتِ، فَقَالَ: وَإِنَّهُنَّ مِنَ الْعَرَانِيقِ الْعُلَا، وَإِنَّ شَفَاعَتَهُمْ لَتُرْتَجَى، وَذَلِكَ مِنْ سَجْعِ الشَّيْطَانِ وَفِتْنَتِهِ، فَوَقَعَتْ هَاتَانِ الْكَلِمَتَانِ فِي قَلْبِ كُلِّ مُشْرِكٍ، وَذَلَّتْ بِهَا أَلْسِنَتُهُمْ، وَاسْتَبْشَرُوا بِهَا، وَقَالُوا: إِنَّ مُحَمَّدًا قَدْ رَجَعَ إِلَى دِينِهِ الْأَوَّلِ، وَدِينِ قَوْمِهِ.
فَلَمَّا بَلَغَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم آخِرَ السُّورَةِ الَّتِي فِيهَا النَّجْمُ سَجَدَ، وَسَجَدَ مَعَهُ كُلُّ مَنْ حَضَرَهُ مِنْ مُسْلِمٍ وَمُشْرِكٍ، غَيْرَ أَنَّ الْوَلِيدَ بْنَ الْمُغِيرَةِ كَانَ رَجُلًا كَبِيرًا فَرَفَعَ مِلْءَ كَفِّهِ تُرَابًا فَسَجَدَ عَلَيْهِ، فَعَجِبَ الْفَرِيقَانِ كِلَاهُمَا مِنْ جَمَاعَتِهِمْ فِي السُّجُودِ لِسُجُودِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَمَّا الْمُسْلِمُونَ فَعَجِبُوا مِنْ سُجُودِ الْمُشْرِكِينَ مِنْ غَيْرِ إِيمَانٍ وَلَا يَقِينٍ، وَلَمْ يَكُنِ الْمُسْلِمُونَ سَمِعُوا الَّذِي أَلْقَى الشَّيْطَانُ عَلَى أَلْسِنَةِ الْمُشْرِكِينَ. وَأَمَّا الْمُشْرِكُونَ فَاطْمَأَنَّتْ أَنْفُسُهُمْ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابِهِ لَمَّا سَمِعُوا الَّذِي أَلْقَى الشَّيْطَانُ في أُمْنِيَّةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَحَدَّثَهُمُ الشَّيْطَانُ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَدْ قَرَأَهَا فِي السَّجْدَةِ، فَسَجَدُوا لِتَعْظِيمِ آلِهَتِهِمْ، فَفَشَتْ تِلْكَ الْكَلِمَةُ فِي النَّاسِ وَأَظْهَرَهَا الشَّيْطَانُ حَتَّى بَلَغَتِ الْحَبَشَةُ، فَلَمَّا سَمِعَ عُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ، وَمَنْ كَانَ مَعَهُمْ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ أَنَّ النَّاسَ قَدْ أَسْلَمُوا، وَصَارُوا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَبَلَغَهُمْ سُجُودُ الْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ عَلَى التُّرَابِ عَلَى كَفِّهِ، أَقْبَلُوا سِرَاعًا فَكَبُرَ ذَلِكَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَلَمَّا أَمْسَى أَتَاهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَشَكَا إِلَيْهِ، فَأَمَرَهُ فَقَرَأَ عَلَيْهِ، فَلَمَّا بَلَغَهَا تَبَرَّأَ مِنْهَا جِبْرِيلُ قَالَ: مَعَاذَ اللَّهِ مِنْ هَاتَيْنِ، مَا أَنْزَلَهُمَا رَبِّي، وَلَا أَمَرَنِي بِهِمَا رَبُّكَ.
فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم شَقَّ عَلَيْهِ وَقَالَ: أَطَعْتُ الشَّيْطَانَ، وَتَكَلَّمْتُ بِكَلَامِهِ، وَشَرَكَنِي فِي أَمْرِ اللَّهِ. فَنَسَخَ اللَّهُ مَا أَلْقَى الشَّيْطَانُ وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [الحج: 52]. {لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ} [الحج: 53].
فَلَمَّا بَرَّأَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ سَجْعِ الشَّيْطَانِ وَفِتْنَتِهِ انْقَلَبَ الْمُشْرِكُونَ بِضَلَالِهِمْ وَعَدَاوَتِهِمْ، وَبَلَغَ الْمُسْلِمُونَ مِمَّنْ كَانَ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ، وَقَدْ شَارَفُوا مَكَّةَ فَلَمْ يَسْتَطِيعُوا الرُّجُوعَ مِنْ شِدَّةِ الْبَلَاءِ الَّذِي أَصَابَهُمْ وَالْجُوعِ وَالْخَوْفِ وَخَافُوا أَنْ يَدْخُلُوا مَكَّةَ فَيُبْطَشَ 33/6 بِهِمْ فَلَمْ يَدْخُلْ رَجُلٌ مِنْهُمْ إِلَّا بِجِوَارٍ، فَأَجَارَ الْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ عُثْمَانَ بْنَ مَظْعُونٍ، فَلَمَّا أَبْصَرَ عُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونٍ الَّذِي يَلْقَى رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابَهُ مِنَ الْبَلَاءِ، وَعُذِّبَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ بِالنَّارِ وَبِالسِّيَاطِ، وَعُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونٍ مُعَافًى لَا يَعْرِضُ لَهُ، رَجَعَ إِلَى نَفْسِهِ فَاسْتَحَبَّ الْبَلَاءَ عَلَى الْعَافِيَةِ، وَقَالَ: أَمَّا مَنْ كَانَ فِي عَهْدِ اللَّهِ وَذِمَّتِهِ، وَذِمَّةِ رَسُولِهِ الَّذِي اخْتَارَ لِأَوْلِيَائِهِ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ، وَمَنْ دَخَلَ فِيهِ فَهُوَ خَائِفٌ مُبْتَلًى بِالشِّدَّةِ وَالْكَرْبِ، عَمِدَ إِلَى الْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، فَقَالَ: يَا ابْنَ عَمِّ، أَجَرْتَنِي فَأَحْسَنْتَ جِوَارِي، وَإِنِّي أُحِبُّ أَنْ تُخْرِجَنِي إِلَى عَشِيرَتِكَ، فَتَبْرَأَ مِنِّي بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ. فَقَالَ لَهُ الْوَلِيدُ: ابْنَ أَخِي لَعَلَّ أَحَدًا آذَاكَ أَوْ شَتَمَكَ وَأَنْتَ فِي ذِمَّتِي، فَأَنْتَ تُرِيدُ مَنْ هُوَ أَمْنَعُ لَكَ مِنِّي، فَأَنَا أَكْفِيكَ ذَلِكَ؟ قَالَ: لَا وَاللَّهِ مَا بِي ذَلِكَ، وَمَا اعْتَرَضَ لِي مِنْ أَحَدٍ، فَلَمَّا أَبَى عُثْمَانُ إِلَّا أَنْ يَتَبَرَّأَ مِنْهُ الْوَلِيدُ أَخْرَجَهُ إِلَى الْمَسْجِدِ، وَقُرَيْشٌ فِيهِ كَأَحْفَلِ مَا كَانُوا، وَلَبِيدُ بْنُ رَبِيعَةَ الشَّاعِرُ يُنْشِدُهُمْ، فَأَخَذَ الْوَلِيدُ بِيَدِ عُثْمَانَ فَأَتَى بِهِ قُرَيْشًا، فَقَالَ: إِنَّ هَذَا غَلَبَنِي وَحَمَلَنِي عَلَى أَنْ أَنْزِلَ إِلَيْهِ عَنْ جِوَارِي، أُشْهِدُكُمْ أَنِّي بَرِيءٌ فَجَلَسَا مَعَ الْقَوْمِ، وَأَخَذَ لَبِيدٌ يُنْشِدُهُمْ فَقَالَ:
أَلَا كُلُّ شَيْءٍ مَا خَلَا اللَّهَ بَاطِلُ.
فَقَالَ عُثْمَانُ: صَدَقْتَ. ثُمَّ إِنْ لَبِيدًا أَنْشَدَهُمْ تَمَامَ الْبَيْتِ، فَقَالَ:
وَكُلُّ نَعِيمٍ لَا مَحَالَةَ زَائِلُ.
فَقَالَ: كَذَبْتَ. فَسَكَتَ الْقَوْمُ وَلَمْ يَدْرُوا مَا أَرَادَ بِكَلِمَتِهِ، ثُمَّ أَعَادَهَا الثَّانِيَةَ، وَأَمَرَ بِذَلِكَ، فَلَمَّا قَالَهَا قَالَ مِثْلَ كَلِمَتِهِ الْأُولَى وَالْأُخْرَى، صَدَقْتَ مَرَّةً وَكَذَبْتَ مَرَّةً، وَإِنَّمَا يُصَدِّقُهُ إِذَا ذَكَرَ كُلَّ شَيْءٍ يَفْنَى، وَإِذَا قَالَ: كُلُّ نَعِيمٍ ذَاهِبٌ كَذَّبَهُ عِنْدَ ذَلِكَ؛ إِنَّ نَعِيمَ أَهْلِ الْجَنَّةِ لَا يَزُولُ، نَزَعَ عِنْدَ ذَلِكَ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ فَلَطَمَ عَيْنَ عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ، فَاخْضَرَّتْ مَكَانَهَا، فَقَالَ الْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ وَأَصْحَابُهُ: قَدْ كُنْتَ فِي ذِمَّةٍ مَانِعَةٍ مَمْنُوعَةٍ فَخَرَجْتَ مِنْهَا إِلَى هَذَا، فَكُنْتَ عَمَّا لَقِيتَ غَنِيًّا، ثُمَّ ضَحِكُوا، فَقَالَ عُثْمَانُ: بَلْ كُنْتُ إِلَى هَذَا الَّذِي لَقِيتُ مِنْكُمْ فَقِيرًا، وَعَيْنِي الَّتِي لَمْ تُلْطَمْ إِلَى مِثْلِ هَذَا الَّذِي لَقِيتُ، صَاحِبَتُهَا فَقِيرَةٌ لِي فِيمَنْ هُوَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْكُمْ أُسْوَةً، فَقَالَ لَهُ الْوَلِيدُ: إِنْ شِئْتَ أَجَرْتُكَ الثَّانِيَةَ. قَالَ: لَا أَرَبَ لِي فِي جِوَارِكَ».
قال الهيثميُّ : رواهُ الطبرانيُّ هَكَذَا مُرْسَلًا، وَفِيهِ ابْنُ لَهِيعَةَ أَيْضًا.34/6
20732 / ز – عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ قَالَ: «وَمِمَّنْ خَرَجَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ مُهَاجِرًا إِلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ بَنِي أُمَيَّةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ خَالِدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ بْنِ أُمَيَّةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ وَمَعَهُ امْرَأَتُهُ فَوَلَدَتْ لَهُ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ ابْنَهُ سَعِيدَ بْنَ خَالِدٍ».
أخرجه الحاكم في المستدرك (5129).