16687 / 856 – (خ م ت س) ابن عباس – رضي الله عنهما -: قال: لم أزلْ حَريصاً على أنْ أسْأَلَ عُمرَ بنَ الخطابِ عن المرأتينِ من أزواج النبيِّ صلى الله عليه وسلم اللَّتَيْنِ قال الله عز وجل: {إِنْ تَتُوبا إلى اللَّهِ فقد صَغَتْ قُلُوبُكُما} حتى حَجَّ عمرُ، وحَجَجْتُ مَعهُ، فلما كان بِبعضِ الطريقِ عَدَلَ عمرُ، وعَدَلْتُ مَعهُ بالإِدَاوِة، فَتَبَرَّزَ ثمَّ أتاني، فسكبتُ على يَدَيْهِ، فَتَوَضَّأَ، فقلتُ: يا أمير المؤمنين، مَنِ المرأتانِ من أزواجِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم اللَّتانِ قال الله عز وجل: {إنْ تَتُوبا إلى اللَّه فقد صَغَتْ قُلُوبُكُما}؟ فقال عمرُ: واعجباً لكَ يا ابْن العباس! قال الزهريُّ: كَرِهَ واللهِ ما سأله عَنْهُ ولم يكْتُمْه، فقال: هُما عائشَةُ وحفْصَةُ، ثم أخَذَ يسُوقُ الحديثَ – قال: كُنَّا معْشَرَ قُرَيْش قَوْماً نَغْلِبُ النِّساءَ، فلمَّا قَدِمْنا المدينَةَ، وجدْنا قوماً تغْلِبُهُمْ نِساؤُهُمْ، فَطَفِقَ نِساؤُنا يتَعَلَّمْنَ من نِسائِهِمْ، قال: وكان مَنْزِلي في بني أُمَيَّةَ بن زيْدٍ بالعَوَالي، فَتَغَضَّبْتُ يوماً على امْرَأَتِي، فإِذا هي تُراجِعُني، فأنكَرْتُ أنْ تُراجِعَني، فقالت: ما تُنْكِرُ أنْ أُراجعَك، فو اللهِ، إِن أزْواجَ النبي صلى الله عليه وسلم لُيرَاجِعْنَهُ، وتَهْجُرُهُ إحْدَاهُنَّ الْيَوْمَ إلى اللَّيْلِ، فانْطَلَقْتُ، فدَخلْتُ على حَفْصَةَ، فَقُلتُ: أتُراجِعِينَ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم؟ فقالت: نعم، فقلتُ: أَتَهْجُرُهُ إِحْداكُنَّ الْيَوْمَ إلى اللَّيْلِ؟ قالت: نعم، قُلْتُ: قَدْ خابَ مَنْ فَعَلَ ذلك مِنْكُنَّ وخَسِرَتْ، أفَتَأْمَنُ إِحْداكُنَّ أنْ يغْضَبَ اللهُ عليها لِغَضَبِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم؟ فإِذا هيَ هَلَكَتْ، لا تُراجعي رسولَ الله، ولا تسْأَليه شَيْئاً، وسَلينيِ ما بَدَالك، ولا يغُرَّنَّكِ أنْ كانت جارَتُكِ هي أوْسَمُ وأحبُّ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم منكِ – يريِد عائشَةَ – وكان لي جارٌ من الأنصار، فكُنَّا نتَنَاوَبُ النزولَ إلى رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم، فينزلُ يوماً، وأَنزِلُ يوماً، فيَأْتِيني بِخَبَرِ الوَحْيِ وغيره، وآتِيهِ بِمثِلِ ذلك وكُنَّا نتحدثُ: أنَّ غسَّانَ تُنْعِلُ الْخَيْلَ لِتَغْزُونَا، فَنزَلَ صاحبي، ثُمَّ أتَانِي عِشاء، فضَرَبَ بابِي، ثم ناداني، فخرجتُ إليه، فقال: حَدَثَ أمْرٌ عظيمٌ، فقلتُ: ماذا؟ جاءتْ غَسَّانُ؟ قال: لا، بلْ أعظمُ من ذَلِكَ وأهْوَلُ، طَلَّقَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم نساءهُ، قلتُ: وقد خَابَتْ حَفْصَةُ وخَسِرَتْ، وقد كُنْتُ أَظُنُّ هذا يُوشكُ أن يكونَ، حتى إذا صَلَّيْتُ الصبحَ شَدَدْتُ عليَّ ثيابي، ثم نزلتُ، فدخلتُ على حَفْصَةَ، وهي تبكي، فقلتُ: أطَلَّقكُنَّ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم؟ قالت: لا أَدري، هو هذا مُعْتَزِلٌ في هذه المشرُبةِ، فأتيتُ غلاماً له أسودَ، فقلت: اسْتأذِنْ لعمر، فدخلَ ثم خرج إليَّ، قال: قد ذكرتكَ له فَصَمَتَ، فانطلقتُ حتى إذا أتيتُ المنبرَ، فإذا عنده رهْطٌ جلوسٌ، يبكي بعضُهم، فجلستُ قليلاً، ثم غلبني ما أجِدُ، فأتيتُ الغلامَ، فقلتُ: استأذنْ لعمرَ، فدخلَ ثم خرجَ إليَّ، فقال: قد ذكرْتُكَ له فصَمَتَ، فخرجتُ فجلستُ إلى المنبر، ثم غلبني ما أجدُ، فأتيتُ الغلامَ، فقلتُ: استأذنْ لعمرَ، فدخلَ ثم خرجَ فقال: قد ذكرْتُكَ له فصَمَتَ، فَوَلَّيْتُ مُدْبِراً، فإذا الغلام يدعوني، فقال: ادخل فقد أذن لك، فدخلت، فسلمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا هو مُتِّكىءٌ على رِمَالِ حَصِيرٍ، قد أثَّرَ في جنبِه، فقلتُ: أطلَّقتَ يا رسولَ اللهِ نِساءكَ؟ فرفع رأسه إليَّ، فقال: لا، فقلت: الله أكبر، لو رأيتَنا يا رسولَ الله، وكُنَّا معشر قريشٍ نغلِبُ النساء، فلمَّا قَدِمْنا المدينَةَ وجدْنا قوماً تغْلِبُهُمْ نِساؤُهُمْ، فطفِقَ نساؤنا يتعلَّمْنَ من نسائهم، فتغضَّبْتُ على امرأَتي يوْماً، فإذا هي تراجعُني، فأنكرتُ أن تَراجعني، فقالت: ما تُنكرُ أن أُراجعَكَ؟ فو اللهِ إنَّ أزواجَ رسولِ الله لَيُرَاجِعْنَهُ، وتَهْجُرُهُ إِحداهنَّ اليومَ إِلى الليلِ، فقْلتُ: قد خابَ مَنْ فعلَ ذلكَ منهنَّ وخسِرَ، أَفتأْمَنُ إِحداهنَّ أنْ يَغْضبَ اللهُ عليها لِغضبِ رسولِ الله، فإِذا هِيَ قَدْ هلكت؟ فتبسَّمَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم. فقلت: يا رسول الله، قد دَخَلْتُ على حفصةَ فقلتُ: لا يغُرَّنَّكِ أَنْ كانت جارتُكِ هي أوسمُ وأَحبُّ إِلى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم منكِ، فتبسَّم أُخرى. فقلتُ: استأنِس يا رسولَ الله؟ قال: نعم، فجلستُ، فرفعتُ رأْسي في البيتِ، فو الله ما رأَيتُ فيه شيْئاً يَرُدُّ البصرَ، إِلا أُهبَة ثلاثة، فقلتُ: يا رسولَ الله، ادعُ اللهَ أَن يُوسِّعَ على أُمَّتك، فقد وسَّعَ على فارسَ والروم، وهم لا يعْبُدُون اللهَ. فاستوى جالساً، ثم قال: أَفي شكٍّ أَنتَ يا ابنَ الخطاب؟ أَولئك قومٌ عُجِّلتْ لهم طيِّباتُهم في الحياة الدنيا، فقلتُ: استغفرْ لي يا رسولَ اللهِ، وكان أقسَمَ أَلاَّ يدخُلَ عليهنَّ شهراً من أَجلِ ذلك الحديث، حين أفشَتْهُ حفصةُ إِلى عائشة، من شدَّةِ مَوْجِدَتِهِ عليهن حتى عاتبهُ اللهُ تعالى. قال الزهري: فأخبرني عُروةُ عن عائشة قالت: لما مضت تسعٌ وعشرونَ ليلة، دخل عليَّ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، بدأَ بي، فقلتُ: يا رسول الله، إِنك أَقْسَمْتَ أَنك لا تدخل عليْنا شهراً، وإِنَّكَ دخلت من تسعٍ وعشرينَ أَعُدُّهُنَّ؟ فقال: إِنَّ الشهر تسعٌ وعشرون – زاد في رواية: وكان ذلك الشهر تسعاً وعشرين ليلة، ثم قال: يا عائشة إِنِّي ذاكِرٌ لكِ أمراً، فلا علْيكِ أن لا تعجلي حتى تستأمِري أَبويكِ، ثم قرأَ: {يا أَيُّها النبيُّ قُلْ لأَزواجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الحياةَ الدُّنيا وزينتها فَتَعَالَيْنَ أُمتِّعْكُنَّ وأُسرِّحْكُنَّ سَرَاحاً جميلاً. وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللهَ ورسولَهُ والدَّارَ الآخِرَةَ فَإِنَّ اللهَ أَعدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنكُنَّ أجراً عظيماً} قالت عائشة: قد عَلِمَ والله أَنَّ أبويَّ لم يكونا لِيأْمُراني بِفِراقِهِ، فقلتُ: أَفي هذا أَستأمرُ أَبويَّ؟ فإني أُريدُ اللهَ ورسوله، والدار الآخرة.
وفي روايةٍ: أنَّ عائشةَ قالت: لا تُخبِرْ نِساءكَ أَني اختَرْتُكَ، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ اللهَ أَرسلني مُبَلِّغاً، ولم يُرْسِلْني مُتَعَنِّتاً» ، هذه رواية البخاري، ومسلم، والترمذي.
ولمسلم أَيضاً نحوُ ذلك، وفيه: «وذلك قبل أَن يؤمَرْن بالحجابِ». وفيه: دخولُ عمرَ على عائشةَ وحفصة ولوْمُهُ لهما، وقوله لحفصةَ: «واللهِ لقد علمتُ أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم لا يُحِبُّكِ، ولولا أَنا لطَلَّقَكِ» .
وفيه: قولُ عمر عند الاستئذان – في إِحدى المرات – يا رباحُ، استأْذِنْ لي، فإني أُظُنُّ أَنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم ظنَّ أني جئتُ من أَجل حفصة، والله لئن أمرني أن أضرِبَ عُنُقَها، لأضرِبَنَّ عُنُقَها، قال: ورفعتُ صوتي، وأنهُ أذِنَ له عند ذلك، وأَنهُ استأْذَنَ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم في أَن يخبر الناسَ أنهُ لم يُطلِّقْ نساءهُ، فأذِنَ له، وأنهُ قام على بابِ المسجدِ، فنادى بأعلى صوتِهِ: لم يُطَلِّقْ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم نساءهُ، وأَنَّهُ قال له – وهو يَرى الغضبَ في وَجهه-: يا رسولَ اللهِ، ما يشُقُّ عليك من شأنِ النساءِ، فإنْ كنتَ طلَّقْتَهُنَّ، فإنَّ اللهَ مَعَكَ، وملائكتَهُ وجبريلُ، وميكائيلُ، وأنا وأَبو بكرٍ والمؤمنون معكَ، قال: وقَلَّمَا تكلَّمْتُ – وأحمدُ الله – بكلامٍ، إِلا رجوتُ أن يكونَ اللهُ يُصدِّقُ قولي الذي أَقولُ، فنزلت هذه الآية، آية التخيير: {عَسَى رَبُّهُ إِن طَلَّقَكُنَّ أَن يُبْدِلَهُ أَزواجاً خَيراً مِنكُنَّ مُسلماتٍ مُؤْمِنَاتٍ قانتَاتٍ تَائِباتٍ عابِدَاتٍ سائحاتٍ ثيِّباتٍ وأَبكاراً} .
وفيه أنه قال: فلم أزلْ أُحدِّثُهُ، حتى تحسَّر الغضبُ عن وجهه وحتى كشَرَ فضحِك – وكان من أَحسن الناسِ ثغْراً – قال: ونزلتُ أَتشبَّثُ بالجِذْع وهو جذعٌ يَرْقَى عليه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وينْحَدِرُ، ونزلَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم كأنما يمشي على الأرضِ، ما يمسُّهُ بيدهِ. فقلتُ: يا رسولَ الله، إِنَّمَا كُنتَ في الغرفةِ تسعاً وعشرين؟ فقال: إِنَّ الشهرَ يكون تسعاً وعشرين، قال: ونزلت هذه الآية: {وَإِذا جَاءهُم أَمرٌ مِن الأمنِ أو الخَوفِ أَذاعوا بهِ ولو رَدُّوه إِلى الرسولِ وإِلى أُولي الأَمرِ منهم لَعَلِمَهُ الذين يسْتَنْبِطونهُ منهم} النساء: 83 قال: فكنتُ أنا الذي استنْبَطْتُ ذلك الأمر، فأنزل الله عز وجلَّ آية التخيير.
وفي رواية للبخاري ومسلم قال: مكَثْتُ سنة أريدُ أَن أَسأَل عمر بن الخطاب عن آيةٍ، فما أستطيعُ أَن أَسأَلَهُ، هَيْبَة له، حتى خرجَ حاجّاً، فخرجتُ معه، فَلَمَّا رجعنا – وكنا بِبعْضِ الطريق – عَدَلَ إِلى الأراك لحاجةٍ له فوقفتُ له حتى فرغَ، ثم سِرتُ معه، فقلتُ: يا أَمير المؤمنين، مَنِ اللَّتَانِ تَظَاهَرَتا على النبيِّ صلى الله عليه وسلم من أَزواجه؟ فقال: تلكَ حفصة وعائشةُ، فقلتُ: والله إِنْ كُنتُ لأُريدُ أَنْ أَسأَلكَ عن هذا مُنذُ سنةٍ، فما أستطيعُ، هَيْبة لك، قال: فلا تفْعَلْ، ما ظَنْنتَ أَنَّ عندي من علم، فسلني، فإن كان لي به علمٌ خَبَّرْتُكَ به، ثم قال عمر: واللهِ إِنْ كُنَّا في الجاهليةِ ما نَعُدُّ لِلنِّساءِ أمْراً، حَتَّى أنزلَ اللهُ فيهنَّ ما أنْزَلَ، وقَسَمَ لهنَّ ما قسم، قال: فبينا أَنا في أَمرٍ أَتأمَّرُه، إِذْ قالت امرأتي: لو صنعتَ كذا وكذا؟ فقلتُ لها: مالكِ ولِمَا هاهنا! فيما تكلُّفُكِ في أَمرٍ أُرِيدُهُ! فقالت لي: عجباً لك يا ابن الخطابِ! ما تُريدُ أن تُراجَعَ أنتَ، وإنَّ ابنتكَ لتُرَاجِعُ رسولَ الله – صلى الله عليه وسلم -، حتى يظلَّ يومَهُ غضبان؟ فقام عمر، فأخذ رداءهُ مكَانَهُ، حتى دخلَ على حفصةَ، فقال لها: يا بُنيَّةُ، إِنَّكِ لتراجعِين رسولَ الله – صلى الله عليه وسلم – حتى يظلَّ يومَهُ غضبان؟ فقالت حفصةُ: واللهِ إِنَّا لنُراجِعُهُ، فقلتُ: تعلمينَ أَني أُحذِّركِ عقوبةَ اللهِ، وغضب رسولِهِ؟ يا بُنيَّةُ، لا يَغُرنَّكِ هذه التي أَعجَبَهَا حُسْنُهَا، وحُبُّ رَسولِ اللهِ إِيَّاهَا – يُريدُ عائشةَ – قال: ثُمَّ خرجتُ، حتى دخلتُ على أُم سلمةَ لقرابتي منها، فكلَّمتُها، فقالت أُمُّ سلمة: عجباً لكَ يا ابنَ الخطَّاب! ، دخلْتَ في كلِّ شيءٍ، حتى تبتغي أَن تَدْخُلَ بين رسولِ الله – صلى الله عليه وسلم – وَبَين أَزواجِهِ؟ قال: فأَخَذَتْني واللهِ أَخْذاً كَسَرَتْني بهِ عن بَعْضِ مَا كُنتُ أَجِدُ، فخرجتُ من عندها. وكان لي صاحبٌ من الأنصارِ، إِذا غِبتُ أتاني بالخبر، وإذا غاب كنت أنا آتيه بالخبر، ونحن نتخوف مَلِكاً من ملوك غسان ذُكِرَ لنا: أنه يريدُ أن يسيرَ إِلينا، فقد امتلأتْ صُدورنا منه، فإِذا صاحبي الأنصاريُّ يَدُقُّ البابَ. فقال: افتحْ، افتحْ، فقلتُ: جاءَ الغسانيُّ؟ فقال: بل أشدُّ من ذلك، اعتزلَ رسولُ الله – صلى الله عليه وسلم – أزواجَهُ، فقلت: رَغِمَ أنفُ حفصةَ وعائشة، فأخذتُ ثوبي فأخرجُ حتى جِئتُ، فَإِذا رسولُ الله – صلى الله عليه وسلم – في مشرُبةٍ له، يَرْقى عليها بعجلةٍ، وغلامٌ لرسولِ الله – صلى الله عليه وسلم – على رأس الدرجةِ، فقلتُ: قلْ: هذا عمرُ بن الخطاب، فَأَذِنَ لي، قال عمر: فَقَصَصْتُ على رسولِ الله – صلى الله عليه وسلم – هذا الحديث، فلما بَلَغْتُ حديثَ أُمِّ سلمةَ، تبسَّم رسولُ الله – صلى الله عليه وسلم -، وإِنَّهُ لعلى حصيرٍ، ما بينَهُ وبينَهُ شيءٌ، وتحت رأسه وسادةٌ من أَدم، حشْوُها ليفٌ، وإِن عند رجليْهِ قَرظاً مصْبُوراً، وعند رأْسِهِ أَهَبٌ مُعلَّقةٌ، فرأيتُ أَثَرَ الحصير في جنْبِهِ، فبكَيتُ. فقال: ما يُبكيك؟ فقلتُ: يا رسولَ الله، إِن كسرى وقيصر فيما هما فيه، وأنت رسولُ الله؟ ! فقال: «أَما ترضى أَن تكونَ لهم الدنيا، ولنا الآخرة؟» .
وأخرجه النسائي مجملاً، وهذا لفظهُ: قال ابن عباس: لم أزلْ حريصاً أَن أسأَلَ عُمرَ بن الخطاب عن المرأَتين من أَزواج النبي – صلى الله عليه وسلم – اللَّتين قال الله عز وجل: {إِنْ تَتُوبَا إِلى اللهِ فقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} التحريم: 4 وساق الحديث. هكذا قال النسائي، ولم يذكر لفظه، وقال: واعتزل رسولُ الله – صلى الله عليه وسلم – نساءهُ – من أجل ذلك الحديث، حين أَفشَتْهُ حفصةُ إِلى عائشةَ – تسعاً وعشرين ليلة، قالت عائشةُ: وكان قال: ما أَنا بداخلٍ عليهنَّ شهراً، من شدَّةِ مَوْجِدَتِهِ عليهنَّ حينَ حدَّثهُ اللهُ – عزَّ وجلَّ – حديثَهُنَّ، فلما مضت تِسعٌ وعشرون ليلة دخل على عائشة فبدأَ بها؛ فقالت له عائشة: قد كنتَ آليتَ يا رسولَ الله، أَن لا تدخُلَ علينا شهراً، وإِنَّا أصبحنا من تِسعٍ وعشرين ليلة، نعدُّها عَدّاً؟ فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: «الشهر تِسعٌ وعشرون ليلة».
16688 / 137 – (خ ت س ه – أنس بن مالك رضي الله عنه ) قال: آلَى رسولُ الله – صلى الله عليه وسلم – من نسائه شهرًا، فكانت انفَكَّتْ قَدَمُهُ، فَجَلَسَ في عِلِّيَّةٍ له، فجاء عُمر، فقال: أطَلَّقْتَ نساءَكَ؟ قال: «لا، ولكن آليتُ منهنَّ شهرًا، فمكث تِسْعًا وعشرين، ثم نزل، فدخَلَ على سائر نسائه».
وفي رواية نحوه، ولم يذكر عمر، وفيه: فقالوا: يا رسول الله، آليتَ شهرًا؟ قال: «إنَّ الشَّهْرَ يكونُ تسعًا وعِشرين » .
وفي أخرى: أن النبي – صلى الله عليه وسلم – صُرِعَ من فَرَسٍ، فَجُحِشَ شقُّه، أو كَتِفُهُ، وآلى من نسائه شهرًا، فجلس في مَشْرُبَةٍ له، دَرجُها من جُذُوع، فأتاه أصحابه يعودونَه، فصلَّى بها جالسًا وهم قيامٌ، فلما سلَّم قال: «إنَّمَا جُعلَ الإمامُ لِيُؤْتَمَّ به، فإذا صلى قائِمًا، فصلوا قيامًا، وإن صلى قاعدًا فصلُّوا قُعودًا، ولا تركعوا حتى يركَعَ، ولا تَرْفعوا حتى يرفع» . قال: ونزل لتسع وعشرين، فقالوا: يا رسول الله، إنَّك آليتَ شهرًا، فقال: «إنَّ الشَّهر تسعٌ وعشرون» .
هذه روايات البخاري، ووافقه على الرواية الثانية الترمذي والنسائي .
ولفظ ابن ماجه عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صُرِعَ عَنْ فَرَسٍ فَجُحِشَ شِقُّهُ الْأَيْمَنُ، فَدَخَلْنَا نَعُودُهُ، وَحَضَرَتِ الصَّلَاةُ، فَصَلَّى بِنَا قَاعِدًا، وَصَلَّيْنَا وَرَاءَهُ قُعُودًا، فَلَمَّا قَضَى الصَّلَاةَ، قَالَ: ” إِنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ، فَإِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا، وَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا، وَإِذَا قَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ فَقُولُوا: رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ، وَإِذَا سَجَدَ فَاسْجُدُوا، وَإِذَا صَلَّى قَاعِدًا فَصَلُّوا قُعُودًا أَجْمَعِينَ “.
وفي لفظ لابن ماجه مختصر، عن انس بن مالك : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : ( إذا قال الإمام : سمع الله لمن حمده، فقولوا : ربنا ولك الحمد )
وهذا الحديث عند أبي داود و مسلم، كما سيأتي ذلك عنهم بعد و ليس هناك ذكر الإيلاء.
16689 / 138 – (خ م ه – أم سلمة رضي الله عنها ): أنَّ النبيَّ – صلى الله عليه وسلم – حَلَفَ: لا يدخُلُ على بعض أهله شهرًا، فلمَّا مضَى تِسْعة وعشرون يومًا غَدا عليهم، أَو راحَ، فقيل له: يا نبيَّ الله، حلفْتَ أَن لا تدخُلَ عليهنَّ شهرًا؟ فقال: «إِنَّ الشهرَ يكونُ تسعًا وعشرين» . أَخرجه البخاري، ومسلم. وابن ماجه بأخصر من هذا بمعناه.
16690 / 139 – (م) جابر بن عبد الله – رضي الله عنهما -: قال: اعتزل النبي – صلى الله عليه وسلم – نساءهُ شهرًا، فخرجَ إلينا صباحَ تِسع وعشرين، فقال بعضُ القوم: يا رسول الله، إنَّمَا أَصبَحْنا لتسع وعشرين، فقال النبيُّ – صلى الله عليه وسلم -: «إِن الشَّهر يكونُ تسعاً وعشرين» ، ثم طَبَّقَ النبيُّ – صلى الله عليه وسلم – يَدَيهِ ثلاثًا، مَرَّتَينِ بِأصابعِ يَدَيْهِ كُلِّها، والثَّالثة بتِسعٍ منها. أخرجه مسلم.
16691 / 140 – (م س ه – ابن شهاب الزهري رحمه الله ): قال: إنَّ النبيَّ – صلى الله عليه وسلم – «أَقسَمَ أَن لا يَدْخُلَ على أَزواجِهِ شهرًا» .
قال الزهري: فأخبرني عُرْوَةُ عن عائشة قالت: لمَّا مضى تسعٌ وعشرون ليلةً أعُدُّهُنَّ، دخل عَليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالت: بَدأ بي، فقلتُ: يا رسول الله، إنكَ أقْسَمْت أَنك لا تَدْخُلُ علينا شهراً، وإنكَ دخلتَ مِنْ تسع وعشرين أعُدُّهُنَّ، قال: ” إن الشهر تسعٌ وعشرون “. أَخرجه مسلم والنسائي.
وفي رواية ابن ماجه عَنْ عَمْرَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: أَقْسَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ لَا يَدْخُلَ عَلَى نِسَائِهِ شَهْرًا، فَمَكَثَ تِسْعَةً وَعِشْرِينَ يَوْمًا، حَتَّى إِذَا كَانَ مِسَاءَ ثَلَاثِينَ، دَخَلَ عَلَيَّ، فَقُلْتُ: إِنَّكَ أَقْسَمْتَ أَنْ لَا تَدْخُلَ عَلَيْنَا شَهْرًا، فَقَالَ: «الشَّهْرُ كَذَا» ، يُرْسِلُ أَصَابِعَهُ فِيهَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، «وَالشَّهْرُ كَذَا» ، وَأَرْسَلَ أَصَابِعَهُ كُلَّهَا، وَأَمْسَكَ إِصْبَعًا وَاحِدًا فِي الثَّالِثَةِ.
16692 / 2060 – ( ه – عَائِشَةَ رضي الله عنها) أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِنَّمَا آلَى لِأَنَّ زَيْنَبَ رَدَّتْ عَلَيْهِ هَدِيَّتَهُ، فَقَالَتْ عَائِشَةُ: لَقَدْ أَقْمَأَتْكَ، فَغَضِبَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَآلَى مِنْهُنَّ. أخرجه ابن ماجه.
16693 / 142 – (خ س) ابن عباس – رضي الله عنهما – قال: «أصبحنا يومًا، ونساءُ النبيّ – صلى الله عليه وسلم – يَبكِينَ، عندَ كُلِّ امرأَةٍ مِنهُنَّ أَهْلُها، فخرجتُ إلى المسجد. فإِذَا هو مَلآنُ من النَّاس، فجاءَ عُمَرُ بن الخطاب، فَصَعِدَ إلى النبي – صلى الله عليه وسلم – وهو في غُرْفَةٍ له، فسلَّم، فلم يُجِبْهُ أَحدٌ، ثم سلّم، فلم يُجِبه أَحدٌ، فناداهُ، فدَخَلَ علَى النبيّ – صلى الله عليه وسلم -، فقال: أَطَلَّقْتَ نساءَك؟ قال: لا، ولكن آلَيتُ منهن شهرًا» . فمكثَ تسعًا وعشرين، ثم دخل على نسائه. أَخرجه البخاري، والنسائي.
وزاد النسائيَ: فقيل: يا رسول الله، أَليس قد آليتَ على شَهْرٍ؟ قال: «الشَّهرُ تسعٌ وعشرون».
16694 / 143 – (ط) علي بن أبي طالب – رضي الله عنه -: كان يقول: «إِذَا آلى الرجلُ من امرأَته لم يقع عليه طلاقُ، وإنْ مَضَتِ الأربعةُ الأشهُرُ حتى يُوَقفَ، فإمَّا أَنْ يُطَلِّقَ، وإِمَّا أَنْ يَفيءَ» . أخرجه مالك في الموطأ.
وقال مالك: من حَلَفَ لامرأَتِهِ أَلا يَطأَها حتَّى تَفْطِمَ وَلَدَهَا، فإن ذلك لا يكون إِيلاءً، وقد بلغني أَنَّ عليَّ بن أَبي طالب سُئِلَ عن ذلك، فلم يَرَهُ إِيلاءً.
16695 / 144 – (ت ه – عائشة رضي الله عنها ): قالت: «آلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم – من نسائه، وحَرَّم، فَجَعَل الحرام حلالاً، وجَعل في اليمين الكفَّارة» . أخرجه الترمذي، وابن ماجه.
16696 / 7831 – عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: «هَجَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نِسَاءَهُ، قَالَ شُعْبَةُ: أَحْسَبُهُ قَالَ: شَهْرًا، فَأَتَاهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَهُوَ فِي غُرْفَةٍ عَلَى حَصِيرٍ قَدْ أَثَّرَ الْحَصِيرُ فِي ظَهْرِهِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ كِسْرَى يَشْرَبُونَ فِي الْفِضَّةِ وَالذَّهَبِ وَأَنْتَ هَكَذَا؟ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “إِنَّهُمْ عُجِّلَتْ طَيِّبَاتُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا”، ثُمَّ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” الشَّهْرُ7\5 [تِسْعَةٌ وَعِشْرُونَ] هَكَذَا وَهَكَذَا”، وَكَسَرَ فِي الثَّالِثَةِ الْإِبْهَامَ».
قال الهيثمي : رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَفِيهِ دَاوُدُ بْنُ فَرَاهِيجَ، وَثَّقَهُ ابْنُ حِبَّانَ، وَضَعَّفَهُ ابْنُ مَعِينٍ وَغَيْرُهُ.
16697 / 7832 – «وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: كُنْتُ أُرِيدُ أَنْ أَسْأَلَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ} [التحريم: 4] فَكُنْتُ أَهَابُهُ، حَتَّى حَجَجْنَا مَعَهُ حَجَّةً فَقُلْتُ: لَئِنْ لَمْ أَسْأَلْهُ فِي الْحَجَّةِ لَا أَسْأَلُهُ، فَلَمَّا قَضَيْنَا حَجَّنَا أَدْرَكْنَاهُ وَهُوَ بِبَطْنِ مُرٍّ وَقَدْ تَخَلَّفَ لِبَعْضِ حَاجَتِهِ، فَقَالَ: مَرْحَبًا بِكَ يَا ابْنَ عَمِّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا حَاجَتُكَ؟ قُلْتُ: شَيْءٌ كُنْتُ أُرِيدُ أَنْ أَسْأَلَكَ عَنْهُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ – فَكُنْتُ أَهَابُكَ، فَقَالَ: سَلْنِي عَمَّا شِئْتَ، فَإِنَّا لَمْ نَكُنْ نَعْلَمُ شَيْئًا حَتَّى تَعَلَّمْنَاهُ، فَقُلْتُ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ} [التحريم: 4] مَنْ هُمَا؟ قَالَ: لَا تَسْأَلُ أَحَدًا أَعْلَمَ بِذَلِكَ مِنِّي، كُنَّا بِمَكَّةَ لَا يُكَلِّمُ أَحَدُنَا امْرَأَتَهُ إِنَّمَا هِيَ خَادِمُ الْبَيْتِ، فَإِذَا كَانَ لَهُ حَاجَةٌ، سَفَعَ بِرِجْلِهَا فَقَضَى حَاجَتَهُ، فَلَمَّا قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ تَعَلَّمْنَ مِنْ نِسَاءِ الْأَنْصَارِ فَجَعَلْنَ يُكَلِّمْنَنَا وَيُرَاجِعْنَنَا، وَإِنِّي أَمَرْتُ غِلْمَانًا لِي بِبَعْضِ الْحَاجَةِ، فَقَالَتْ امْرَأَتِي: بَلِ اصْنَعْ كَذَا وَكَذَا، فَقُمْتُ إِلَيْهَا بِقَضِيبٍ فَضَرَبْتُهَا بِهِ، فَقَالَتْ: يَا عَجَبًا لَكَ يَا ابْنَ الْخَطَّابِ، تُرِيدُ أَنْ لَا تُكَلَّمَ؟! فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تُكَلِّمُهُ نِسَاؤُهُ، فَخَرَجْتُ، فَدَخَلْتُ عَلَى حَفْصَةَ فَقُلْتُ: يَا بُنَيَّةُ انْظُرِي لَا تُكَلِّمِي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا تَسْأَلِيهِ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْسَ عِنْدَهُ دِينَارٌ وَلَا دِرْهَمٌ يُعْطِيكَهُنَّ، فَمَا كَانَتْ لَكِ مِنْ حَاجَةٍ حَتَّى دَهْنِ رَأْسِكِ فَسَلِينِي، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا صَلَّى الصُّبْحَ جَلَسَ فِي مُصَلَّاهُ، وَجَلَسَ النَّاسُ حَوْلَهُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، ثُمَّ دَخَلَ عَلَى نِسَائِهِ امْرَأَةً امْرَأَةً يُسَلِّمُ عَلَيْهِنَّ وَيَدْعُو لَهُنَّ، فَإِذَا كَانَ يَوْمُ إِحْدَاهُنَّ جَلَسَ عِنْدَهَا، وَإِنَّهَا أُهْدِيَتْ لِحَفْصَةَ بِنْتِ عُمَرَ عَكَّةُ عَسَلٍ مِنَ الطَّائِفِ أَوْ مِنْ مَكَّةَ فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا دَخَلَ يُسَلِّمُ عَلَيْهَا حَبَسَتْهُ حَتَّى تُلْعِقَهُ مِنْهُ أَوْ تَسْقِيَهُ مِنْهَا، وَأَنَّ عَائِشَةَ أَنْكَرَتِ احْتِبَاسَهُ عِنْدَهَا، فَقَالَتْ لِجُوَيْرِيَةٍ عِنْدَهَا حَبَشِيَّةٍ، يُقَالُ لَهَا: خَضْرَاءُ: إِذَا دَخَلَ عَلَى حَفْصَةَ فَادْخُلِي عَلَيْهَا فَانْظُرِي مَا يَصْنَعُ، فَأَخْبَرَتْهَا الْجَارِيَةُ بِشَأْنِ الْعَسَلِ، فَأَرْسَلَتْ عَائِشَةُ إِلَى صَوَاحِبَاتِهَا فَأَخْبَرَتْهُنَّ، وَقَالَتْ: إِذَا دَخَلَ عَلَيْكُنَّ فَقُلْنَ: إِنَّا نَجِدُ8\5 مِنْكَ رِيحَ مَغَافِيرَ، ثُمَّ إِنَّهُ دَخَلَ عَلَى عَائِشَةَ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَطَعِمْتَ شَيْئًا مُنْذُ الْيَوْمُ؟ فَإِنِّي أَجِدُ مِنْكَ رِيحَ مَغَافِيرَ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَشَدُّ شَيْءٍ عَلَيْهِ أَنْ يُوجَدَ مِنْهُ رِيحُ شَيْءٍ، فَقَالَ: ” هُوَ عَسَلٌ وَاللَّهِ لَا أَطْعَمُهُ أَبَدًا ” حَتَّى إِذَاكَانَ يَوْمُ حَفْصَةَ قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ لِي حَاجَةً إِلَى أَبِي، إِنَّ نَفَقَةً لِي عِنْدَهُ، فَأْذَنْ لِي أَنْ آتِيَهُ فَأَذِنَ لَهَا، ثُمَّ إِنَّهُ أَرْسَلَ إِلَى جَارِيَتِهِ مَارِيَةَ، فَأَدْخَلَهَا بَيْتَ حَفْصَةَ، فَوَقَعَ عَلَيْهَا، فَأَتَتْ حَفْصَةُ فَوَجَدَتِ الْبَابَ مُغْلَقًا، فَجَلَسَتْ عِنْدَ الْبَابِ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – وَهُوَ فَرْعٌ وَوَجْهُهُ يَقْطُرُ عَرَقًا وَحَفْصَةُ تَبْكِي، فَقَالَ: ” مَا يُبْكِيكِ؟ ” فَقَالَتْ: إِنَّمَا أَذِنْتَ لِي مِنْ أَجْلِ هَذَا، أَدْخَلْتَ أَمَتَكَ بَيْتِي، ثُمَّ وَقَعْتَ عَلَيْهَا عَلَى فِرَاشِي، مَا كُنْتَ تَصْنَعُ هَذَا بِامْرَأَةٍ مِنْهُنَّ!! أَمَا وَاللَّهِ مَا يَحِلُّ لَكَ هَذَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟! فَقَالَ: ” وَاللَّهِ مَا صَدَقْتِ أَلَيْسَ هِيَ جَارِيَتِي قَدْ أَحَلَّهَا اللَّهُ لِي؟ أُشْهِدُكِ أَنَّهَا عَلَيَّ حَرَامٌ، أَلْتَمِسُ بِذَلِكَ رِضَاكِ، انْظُرِي لَا تُخْبِرِي بِذَلِكَ امْرَأَةً مِنْهُنَّ فَهِيَ عِنْدَكِ أَمَانَةٌ ” فَلَمَّا خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَرَعَتْ حَفْصَةُ الْجِدَارَ الَّذِي بَيْنَهَا وَبَيْنَ عَائِشَةَ فَقَالَتْ: أَلَا أَبْشِرِي فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ حَرَّمَ أَمَتَهُ، فَقَدْ أَرَاحَنَا اللَّهُ مِنْهَا، فَقَالَتْ عَائِشَةُ: أَمَا وَاللَّهِ إِنَّهُ كَانَ يَرِيبُنِي أَنَّهُ كَانَ يُقْتَلُ مِنْ أَجْلِهَا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} [التحريم: 1] ثُمَّ قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَهِيَ عَائِشَةُ وَحَفْصَةُ، وَزَعَمُوا أَنَّهُمَا كَانَتَا لَا تَكْتُمُ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى شَيْئًا.
وَكَانَ لِي أَخٌ مِنَ الْأَنْصَارِ إِذَا حَضَرْتُ وَغَابَ فِي بَعْضِ ضَيْعَتِهِ حَدَّثْتُهُ بِمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِذَا غِبْتُ فِي بَعْضِ ضَيْعَتِي حَدَّثَنِي، فَأَتَانِي يَوْمًا وَقَدْ كُنَّا نَتَخَوَّفُ جَبَلَةَ بْنَ الْأَيْهَمِ الْغَسَّانِيَّ فَقَالَ: مَا دَرَيْتَ مَا كَانَ؟ فَقُلْتُ: وَمَا ذَاكَ؟ لَعَلَّهُ جَبَلَةُ بْنُ الْأَيْهَمِ الْغَسَّانِيُّ تَذْكُرُ؟ قَالَ: لَا وَلَكِنَّهُ أَشَدَّ مِنْ ذَلِكَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى الصُّبْحَ فَلَمْ يَجْلِسْ كَمَا كَانَ يَجْلِسُ، وَلَمْ يَدْخُلْ عَلَى أَزْوَاجِهِ كَمَا كَانَ يَصْنَعُ، وَقَدِ اعْتَزَلَ فِي مَشْرَبَتِهِ، وَقَدْ تَرَكَ النَّاسَ يَمُوجُونَ، وَلَا يَدْرُونَ مَا شَأْنُهُ، فَأَتَيْتُ وَالنَّاسُ فِي الْمَسْجِدِ يَمُوجُونَ وَلَا يَدْرُونَ، فَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ كَمَا 9\5 أَنْتُمْ، ثُمَّ أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ فِي مَشْرَبَتِهِ قَدْ جُعِلَتْ لَهُ عَجَلَةٌ فَرَقَى عَلَيْهَا، فَقَالَ لِغُلَامٍ لَهُ أَسْوَدَ وَكَانَ يَحْجُبُهُ: اسْتَأْذِنْ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَاسْتَأْذَنَ لِي، فَدَخَلْتُ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَشْرَبَتِهِ فِيهَا حَصِيرٌ وَأَهَبٌ مُعَلَّقَةٌ، وَقَدْ أَفْضَى لِجَنْبِهِ إِلَى الْحَصِيرِ فَأَثَّرَ الْحَصِيرُ فِي جَنْبِهِ، وَتَحْتَ رَأْسِهِ وِسَادَةٌ مِنْ أَدَمٍ مَحْشُوَّةٌ لِيفًا، فَلَمَّا رَأَيْتُهُ بَكَيْتُ، فَقَالَ: ” مَا يُبْكِيكَ؟ ” فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَارِسُ وَالرُّومُ يَضْطَجِعُ أَحَدُهُمْ فِي الدِّيبَاجِ وَالْحَرِيرِ فَقَالَ: “إِنَّهُمْ عُجِّلَتْ لَهُمْ طَيِّبَاتُهُمْ، وَالْآخِرَةُ لَنَا” فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا شَأْنُكَ؟ فَإِنِّي تَرَكْتُ النَّاسَ يَمُوجُ بَعْضُهُمْ فِي بَعْضٍ، فَعَنْ خَبَرٍ أَتَاكَ، فَقَالَ: أَعْتَزِلْهُنَّ فَقَالَ: “لَا وَلَكِنْ كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَ أَزْوَاجِي شَيْءٌ، فَأَحْبَبْتُ أَنْ لَا أَدْخُلُ عَلَيْهِنَّ شَهْرًا ” ثُمَّ خَرَجْتُ عَلَى النَّاسِ فَقُلْتُ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ ارْجِعُوا فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَزْوَاجِهِ شَيْءٌ فَأَحَبَّ أَنْ يَعْتَزِلَ.
ثُمَّ دَخَلْتُ عَلَى حَفْصَةَ فَقُلْتُ: يَا بُنَيَّةُ أَتُكَلِّمِينَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَغِيظِينَهُ وَتَغَارِينَ عَلَيْهِ؟ فَقَالَتْ: لَا أُكَلِّمُهُ بَعْدُ بِشَيْءٍ يَكْرَهُهُ، ثُمَّ دَخَلْتُ عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ، وَكَانَتْ خَالَتِي، فَقُلْتُ لَهَا كَمَا قُلْتُ لِحَفْصَةَ فَقَالَتْ: عَجَبًا لَكَ يَا عُمَرُ بْنَ الْخَطَّابِ كُلُّ شَيْءٍ تَكَلَّمْتَ فِيهِ حَتَّى تُرِيدَ أَنْ تَدْخُلَ بَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَيْنَ أَزْوَاجِهِ، وَمَا يَمْنَعُنَا أَنْ نَغَارَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَزْوَاجُكُمْ يَغَرْنَ عَلَيْكُمْ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا} [الأحزاب: 28] حَتَّى فَرَغَ مِنْهَا».
قُلْتُ: لِعُمَرَ حَدِيثٌ فِي الصَّحِيحِ بِاخْتِصَارٍ كَثِيرٍ.
قال الهيثمي : رواه الطبراني فِي الْأَوْسَطِ، وَفِيهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ كَاتِبُ اللَّيْثِ قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ شُعَيْبِ بْنِ اللَّيْثِ: ثِقَةٌ مَأْمُونٌ، وَضَعَّفَهُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ.
16698 / ز – عَنْ عَائِشَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: أُهْدِيَ لِي لَحْمٌ فَأَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ أُهْدِيَ مِنْهُ لِزَيْنَبَ فَأَهْدَيْتُ لَهَا فَرَدَّتْهُ، فَقَالَ: «زِيدِيهَا» فَزِدْتُهَا فَرَدَّتْهُ، فَقَالَ: «أَقْسَمْتُ عَلَيْكِ أَلَا زِدْتِيهَا» فَزِدْتُهَا فَرَدَّتْهُ فَدَخَلَتْنِي غَيْرَةٌ، فَقُلْتُ: لَقَدْ أَهَانَتْكَ، فَقَالَ: «أَنْتِ وَهِيَ أَهْوَنُ عَلَى اللَّهِ مِنْ أَنْ يُهِينَنِي مِنْكُنَّ أَحَدٌ، أُقْسِمُ لَا أَدْخُلُ عَلَيْكُنَّ شَهْرًا» فَغَابَ عَنَّا تِسْعًا وَعِشْرِينَ ثُمَّ دَخَلَ عَلَيْنَا مَسَاءَ الثَّلَاثِينَ فَقَالَتْ: كُنْتُ حَلَفْتُ أَنْ لَا تَدْخُلَ شَهْرًا، فَقَالَ: «شَهْرٌ هَكَذَا وَشَهْرٌ هَكَذَا» وَفَرَّقَ بَيْنَ كَفَّيْهِ وَأَمْسَكَ فِي الثَّالِثَةِ الْإِبْهَامَ.
أخرجه الحاكم في المستدرك (7831).